... ومع ذلك يتفاءلون

26 مايو 2015
هل هو فعل الحرية الساحر؟ (فرانس برس)
+ الخط -
يبدو إصرار التونسيين على الحياة، غريباً، وتعلقهم بالمستقبل أغرب، وخصوصاً للناظر إليهم من بعيد، فكل المؤشرات تبدو حمراء، وصفارات الإنذار تُطلق من كل اتجاه، ولكنهم على الرغم من كل ذلك متفائلون ومتعلقون بالمستقبل. مؤسسة متخصصة في عمليات سبر الآراء قالت إن حوالي 75 في المائة من التونسيين متفائلون، وهو تفاؤل ليس بالغبي ولا بالأحمق، فالمواطنون في هذا البلد الصغير أصبحوا مسيّسين الى النخاع ولا تفوتهم صغيرة ولا كبيرة، ويقبلون بنٓهٓم على برامج الحوارات السياسية ويعرفون كل الأرقام، ويحللون تصريحات الحكومة التي تكرر نفس المؤشرات: إرهاب يهدد، نمو في تراجع، مديونية في ارتفاع، إنتاج معدوم، ومع ذلك فهي تدور ولا شيء يوقف دورانها... والتونسيون؟ متفائلون! ربما لأنه فعل الحرية الساحر، أو لأن الحياة تتغير بالفعل، أو لأنهم للمرة الأولى يتكلمون ويعارضون ويقترحون.

غير أن السياسة فعل مختلف، وبينما يتفاءل المواطنون، يبدو أهل السياسة على قدر كبير من الانفعال والحيرة، وهي مفارقة عجيبة بين الناس ومن يسوسهم. أحد الأصدقاء يفسّره بإيمان التونسيين بأن المعجزة في الطريق، ولعلها تدق أحد أبواب المدينة القديمة، أو لعلهم ينتظرون الفارس المخلِّص الذي لم يأتِ بعد.

السؤال المنطقي هو من أين سيأتي هذا الفارس، وما هي مواصفاته، وهل يكون قادراً على تجميع الناس الذين شتتتهم السياسة، وبعثرتهم الأحداث؟ هل يكفيها فارس واحد ليخلصها مما هي فيه؟ الظاهر أن التونسيين بقوا كمعظم الشعوب العربية متعلقين بفكرة الزعيم المخلص، على الرغم من أنهم يغيّرون مواصفاته ويضعون له شروطاً وسمات جديدة، أكثر حداثة وانفتاحاً وديمقراطية وصدقاً في التحدث إليهم و إقناعهم، ولكنه يبقى الزعيم في كل الحالات، ويرى أن التونسيين "رئاسيون" فيما اختاروا النظام البرلماني، بعقلانية تمنع ارتكاب الأخطاء القديمة نفسها، وتتفادى ذات المواجع، ولا تستعيد زمن التسلط... فمن يفهمها من أهل السياسة؟
The website encountered an unexpected error. Please try again later.