يمنيات يستهدفهنّ رجال العائلة

25 نوفمبر 2018
حملة لمناهضة العنف ضد المرأة بصنعاء (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -

منذ خمسة أعوام، تاريخ زواجها، وابتسام (24 عاماً) عرضة للعنف، لكنّها تجد نفسها مضطرة إلى التعايش مع ذلك والبقاء في منزلها الزوجي. فأولادها، وعدم رغبتها في العيش في منزل أهلها الذين يعانون ظروفاً صعبة من جرّاء الحرب الدائرة في اليمن، من أبرز الأسباب التي دفعتها إلى التعايش مع العنف الذي تقع ضحيته، لفظياً كان أو جسدياً.

تخبر ابتسام "العربي الجديد" أنّ زوجها "سريع الغضب، وقد اعتاد أن يسبّني ويسبّ أهلي ويضربني كلّما أخطأت بأمر ما أو أتيت بسلوك معيّن. لكنني منذ مدّة أحاول الالتزام بما يريد، لهذا لم يعد يضربني كما في السابق، غير أنه لم يتخلَّ عن سبّه لي في حال كان غاضباً". وتشير إلى أنها قصدت "منزل أهلي في أكثر من مرّة، لكنني كنت أعود كلما وعدني بأنه لن يكرر ما اعتاد فعله"، معللة ذلك بأن "زوجي رجل طيّب لكنه يخرج عن طوره ولا يستطيع التحكم بأعصابه".

وتتابع ابتسام: "أفكّر دائماً بطلب الطلاق، لكنني أخشى أن أُحرَم من أطفالي، ولا سيما البنات. كيف يمكنهنّ أن يكبرنَ بعيداً عني؟ من الصعب عليّ أن أتركهنّ مع أب سريع الغضب. ومن جهة أخرى، فإن عائلتي تضررت من جرّاء الحرب في البلاد، ولا تستطيع تحمل تكاليف بقائي وأطفالي في منزلها لمدّة طويلة، إذا قررت مغادرة منزل زوجي".

من جهتها، تسكن سميرة (30 عاماً) في منزل والدَيها، بعيداً عن زوجها الذي "تحوّل أخيراً إلى وحش". تقول لـ"العربي الجديد": "صبرت على اعتداءاته كثيراً، خوفاً من المجتمع الذي يتعامل مع المطلقة بشيء من الازدراء، لكنّ الكيل طفح فغادرت منزله وحالياً أنا بين أهلي". تحكي سميرة أن "أوضاع زوجي النفسية راحت تسوء منذ توقفه عن العمل قبل ثلاثة أعوام، وعدم قدرته على توفير حاجات الأسرة. الفراغ وبقاؤه في المنزل جعلاه يختلق المشكلات دائماً، وصار يضع يده على مبلغ تقدّمه لي إحدى المنظمات الدولية في نهاية كل شهر، على الرغم من أنني كنت أوفّر حاجات المنزل كاملة". تضيف: "وصار يضربني أمام أطفالي، ففقدت القدرة على التحمّل ولجأت إلى أهلي"، لافتة إلى أنهم "يحاولون إقناعي اليوم بضرورة الصبر على ظروف زوجي التي جعلته أكثر عدائية".




لا يطاول العنف الأسري النساء اليمنيات المتزوجات فحسب، إنما العازبات كذلك. فالنساء عموماً هنّ الفئة الأكثر ضعفاً في المجتمع، ويُمارَس العنف في حقهنّ عادة من قبل رجال العائلة، الآباء أو الإخوة أو الأزواج. بالنسبة إلى صفاء (26 عاماً)، فإنّه "من غير الممكن أن أعترض على ما أتعرّض له من اعتداء من إخوتي بين الفينة والأخرى". تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمر طبيعي، فهم رجال البيت ونحن النساء. وفي حال أخطأت، فأنا أعاقَب حتى من أخي الذي يصغرني سناً". وتشير صفاء إلى أنّ واقعها الذي لا ترضى عنه هو واقع يمنيات كثيرات من جيلها، موضحة أنّ "لديّ صديقات يعشنَ ما أعيشه. هي ثقافة كثيرين من اليمنيين". تضيف صفاء أن "والدي يعاملني بلطف ولم يضربني يوماً، بخلاف إخوتي. وأحياناً، أتقبّل التعنيف من أخي الأكبر، فهو في النهاية الكبير ويعرف مصلحتي أكثر مني. لكنني أنزعج جداً عندما يمدّ أخي الصغير يده عليّ. هو يرى نفسه رجلاً وفي إمكانه فعل ما يحلو له بنا نحن الفتيات".

تجدر الإشارة إلى أنّ العنف الذي تتعرّض له النساء في اليمن لا يُبلَّغ عنه، إذ إنّ ذلك يُعَدّ "شأناً خاصاً" بالأسرة. وفي سياق متصل، تقول المتخصصة الاجتماعية هند ناصر لـ"العربي الجديد"، إن "القوانين اليمنية تمييزية ضدّ النساء، وهذا أحد أسباب تزايد العنف ضدهنّ. فلا يوجد أيّ رادع قانوني يوقف المستهترين بإنسانية المرأة عند حدّهم". تضيف أنّ "قانون الجرائم والعقوبات اليمني والأحوال الشخصية والجنسية والسجلّ المدني، تحتوي على موادّ تؤكّد عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. وعلى سبيل المثال، القانون اليمني يحدّد ديّة المرأة بنصف ديّة الرجل، وهذا مخالف للشرع".

وبهدف مواجهة العنف ضد النساء، تنظّم مؤسسات اجتماعية أنشطة خاصة بالنساء المعنّفات. وفي الإطار، يقول مصدر في "اتحاد نساء اليمن" (منظمة غير حكومية) لـ"العربي الجديد"، إنّ "للاتحاد دور إيواء خاصة بالنساء المعنّفات والخارجات من السجون"، موضحاً أنّ "تلك الدور تستقبل النساء اللواتي تعرّضنَ للعنف وتدربهنّ وتطوّر قدراتهنّ، حتى يحصلنَ على فرص عمل لمواجهة متطلبات الحياة". يضيف المصدر نفسه، أنّ "ثمة متخصصات اجتماعيات يعملنَ مع هؤلاء النساء ويقدمنَ لهنّ العون النفسي، إلى جانب فريق قانوني يقدّم الاستشارات لهنّ وكذلك العون القضائي".




والحرب الدائرة في اليمن تسبّبت في ازدياد حالات العنف ضد المرأة بصورة لافتة، وفقاً لتقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان. ويوضح التقرير، أنّ العنف ضد المرأة زاد بنسبة 63 في المئة في العامَين الماضيَين من الحرب، بالإضافة إلى انعدام الحماية القانونية، ما يجعل المرأة عرضة إلى العنف بكل أنواعه. ويأتي ذلك، فيما ارتفعت معدلات الزواج القسري. يضيف التقرير أن 60 ألف امرأة يمنية عرضة لخطر العنف، فثمة 10 آلاف قضية عنف ضدّ النساء جرى الإبلاغ عنها في خلال عام 2016، وقد شملت تلك القضايا حالات اغتصاب وعنف منزلي وزواج قاصرات، وزواج بالإكراه وإيذاء بدني وجسدي ونفسي، وأشكال عنف أخرى كثيرة.

وكانت دراسة يمنية سابقة، قد خلصت إلى أنّ "80 في المئة من أشكال العنف الذي يطاول المرأة اليمنية يُقدِم عليه متعلّمون". وبحسب الدراسة التي أصدرها مركز تنمية المرأة للثقافة ومناهضة العنف عام 2009، فإنّ العنف ضد المرأة في المناطق الريفية في اليمن، يكاد يكون معدوماً نظراً إلى العادات والتقاليد التي تمنع الاعتداء على الزوجات في الريف اليمني.