28 ديسمبر 2021
يهود الفلاشا.. عنصرية أكثر ولا مساواة
"كل اليهود متساوون، ولكنّ بعض اليهود متساوون أكثر من الآخرين"، جملة تلخص إرث العنصرية والتمييز الذي شب وشاب عليه المجتمع الإسرائيلي، منذ قيام الكيان الاستيطاني، وممارسة المؤسسة السياسية والأمنية الحاكمة تمييزا عنصريا موصوفا، ما برح يتسع ليشمل يهودا من طوائف معينة ومن أعراق ملونة أخرى، وذلك تأكيدا على مسألة تفوق عنصري خطير، لخص جوهره جورج أورويل في روايته "مزرعة الحيوانات"، حين افترض أن "كلَّ الأحياء متساوون، ولكنّ بعض الأحياء متساوون أكثر من الآخرين".
لم يكن عبثا الرفض الذي تبنته المؤسسة الحاكمة عبر معظم رؤساء الحكومات، منذ بن غوريون وصولا إلى غولدا مائير، انطلاقا من عنصرية فاقعة حكمت مواقفهم، بحجة أنه لا ينطبق عليهم "قانون العودة/ الهجرة" الصهيوني، ومزاعم أخرى لم تثبت حقيقتها أو مصداقيتها. وبدءا من 1975 وافق رئيس حكومة الاحتلال إسحاق رابين، على "استعادتهم" من موطنهم، لتبدأ موجات الهجرة الجماعية بدءا من 1979 وحتى 1990، إذ وصل 16 ألف يهودي إثيوبي إلى فلسطين المحتلة، لكن أغلبيتهم وصلوا في عمليتي موسى عامي 1984 و1987 وعملية سليمان عام 1991، حينما نقل آلاف منهم عن طريق السودان، بتنسيق سري من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
قد تكون واحدة من جولات احتجاج اليهود الفلاشا انتهت، بعد يومين من عنف دام، إثر مقتل شاب برصاص الشرطة الإسرائيلية، ولكن العنصرية والمسببات التي تستدعي الصدام والاضطراب بين فترة وأخرى لم تنته بعد، ولن تنتهي في ظل عنصريةٍ متجذّرة في مجتمع يفتقد أيا من عناصر التسامح، بقدر ما نشأ على أعمال القتل والعدوانية والممارسات التمييزية، لتنتقل ملفات الهبّة قصيرة الأمد إلى المحاكم الإسرائيلية، حيث تبيّن أن الشرطة التي امتنعت في يومي التظاهرات عن المواجهة الميدانية مع المتظاهرين اعتقلت أكثر من مئتي متظاهر، بعد توثيق مشاركتهم في التظاهرات وأعمال الاحتجاج، عبر كاميرات عناصر الشرطة، وكاميرات المراقبة والسرعة المنتشرة في الطرق الرئيسية.
ذكرت الصحف الإسرائيلية أن المحاكم تواصل تمديد اعتقال النشطاء البارزين في هذه
التظاهرات، حتى بعدما اتضح أن اعتقالهم كان منافياً للقانون، وأنه تمّ حرمانهم من الاستشارة القانونية، وانتهاك حقوقهم الأساسية. في حين زعمت صحيفة معاريف (5/7/2009) أن مصادر في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تستبعد تدخلاً خارجياً، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتغذية التظاهرات وعمليات الاحتجاج التي فاجأت الشرطة الإسرائيلية، بحسب اعتراف وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان. ونقلت الصحيفة عن مدير قسم الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية (أمان)، الجنرال في الاحتياط إيلي بن مئير، أن هناك شواهد على تدخل خارجي عبر السايبر وشركات التواصل، لتغذية الاحتجاجات التي أطلقها اليهود الإثيوبيون في إسرائيل. وفي المقابل، اعترف رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا السابق، القاضي إلياكيم روبنشتاين، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، بوجود تمييز عنصري في المؤسسة الإسرائيلية ضد اليهود الإثيوبيين، وداخل الشرطة التي تلجأ إلى العنف بوتيرة أكبر في تعاملها مع شرائح دون غيرها، مثل تعاملها مع العرب الفلسطينيين، والحريديم (المتدينين)، والمهاجرين من بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا.
وهكذا مرة أخرى، يجد يهود الفلاشا في إسرائيل أنفسهم في مواجهة مباشرة مع المؤسسة السياسية – الأمنية الحاكمة، ضحايا عنصريتها القاسية والاستخفاف بهم؛ بسبب لون بشرتهم وأصولهم الإثيوبية، بعد مقتل أحد شبابهم من دون مبرّر من رجل شرطة. وجاءت الحادثة حلقة في مسلسل جرائم قتل ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في الماضي، منها اعتداءات على شباب فلاشا يرتدون الزي العسكري، ويخدمون في الجيش. ومثل كل مرة يسقط فيها ضحايا عنصرية المتعصبين اليهود الغربيين، أثار مقتل الشاب الإثيوبي الأصل ضجة واسعة وحالة غضب، حيث أغلق مئات من يهود الفلاشا شوارع مركزية وأشعلوا حرائق في مفارق مركزية، ما تسبب باختناقات مرورية كبيرة. ووجه قادة الفلاشا الاتهامات للشرطة بالضغط السريع على زناد السلاح، عندما يكون الهدف من غير اليهود الغربيين، خصوصا من المهاجرين الجدد من إفريقيا بسبب لون بشرتهم. وزاد غضب يهود الفلاشا بعدما أطلقت محكمة إسرائيلية سراح الشرطي القاتل، وأرسلته إلى حبس منزلي داخل فندق.
وكانت تل أبيب قد شهدت في عام 2015 اضطرابات لعدة أيام، بعدما تظاهر اليهود المهاجرون من إثيوبيا (الفلاشا) احتجاجا على التمييز العنصري اللاحق بهم، وسط محاولات رسمية لامتصاص غضبهم. وشارك وقتها آلاف من هؤلاء اليهود في مظاهرة سلمية، وهتفوا ضد عدوانية الشرطة تجاههم، وتفشي العنصرية الرسمية والشعبية ضدهم، بسبب لون بشرتهم السوداء. وتعيد هذه الجريمة الجديدة الأنظار لوضع يهود الفلاشا في إسرائيل (نحو 150 ألفا في 19 بلدة)، وهم يعيشون في أحياء فقيرة ومهملة، ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم، وتبلغ نحو 40% خصوصا من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.
ويقول يهودي من هؤلاء، مقيم في العفولة، إنه يبحث عن عمل منذ عامين من دون جدوى،
وإن عائلته من تسعة أفراد تكابد فقرا صعبا، مضيفا: "أرباب العمل يفضلون العمال البيض، أما السود فلا يحظون برعاية الدولة". ويشكو من تفشي العنصرية في مختلف مناحي الحياة. ويشكو شخص آخر مقيم في حي في العفولة، يعاني أيضا من الإهمال، وفقدان مصادر العمل وخدمات الرفاه والصحة، ويقول إن أكثر ما يضايقه هو "الإهانة التي يتعرّض لها أبناؤه في المدرسة من زملائهم الإسرائيليين الذين يعاملونهم باستعلائية وازدراء". ويشير متحدثا بعبرية سليمة إنه كان طفلا حينما شارك ذووه بالسير على الأقدام من إثيوبيا حتى السودان أسبوعين، وناموا على الطرقات، حتى نقلتهم خلسة طائرات إسرائيلية إلى البلاد". ويضيف: "كنا نعتقد أننا في الطريق إلى جنة عدن، ولم نتخيل مواجهة هذه العنصرية والاستخفاف، ولذا أحن اليوم إلى موطني الأول، على الرغم من قسوة المعيشة هناك".
هل هي مصادفة تجعل من بعض البشر ضحايا عنصرية وتمييز فاقعين، خصوصا في كيان كولونيالي، في داخل مجتمعه، ومؤسسات سلطاته العسكرية والأمنية والسياسية، رؤية متجذرة في التعصب والعنصرية والتمييز ومعاداة الآخر، حتى بين مكوناته التي تعاني اغترابا مزدوجا ومضافا، بين الانتماء وعدم الانتماء، وتشظّي هوياتٍ غير منسجمة، قد لا تستطيع أن تبلور هوية متكاملة لجهة الحفاظ على انتماء هوياتي، وعادات وتقاليد وثقافة ولغة موحدة، ليس شرطا أن تكون مكتوبة أو منطوقة.
أكثر من سبعين عاما، والاحتلال الكولونيالي يشهد على سقوط قيم الديمقراطية والتعدّدية
والعدالة والمساواة، فيما يدّعي أصحابه وحماته وداعموه وحرّاسه المدججون بالأسلحة، كما بالأفكار العنصرية، إنهم منارة هذا العالم، سيما هذا الشرق الملطخة سمعته بكل موبقات الفصام ومتلازمات أمراض التعصب والاستعلاء، وعنصرية التسلط الفاشي والإرهابي والطوائفي المتمذهب، داخل كيانات تتشرنق فيها السلطة، داخل مكونات ذواتها الباحثة عن الأنا المصلحية، انحطّت معها القيم والأخلاقيات والمبادئ والأيديولوجيات السلطوية، وهي تعادي القيم المتحضّرة، ولا تترك مجالا لعيش الإنسان، كما تريد طبائعه وطبيعته الفطرية كما القيمية.
تحمل إسرائيل في جيناتها غلالات غير شفافة من العنصرية. منذ نشأتها، توجد فيها طبقات متراكمة من التعصب والعنصرية، وضد كل الاتجاهات السياسية والدينية والطائفية والفكرية والأيديولوجية؛ وأخيرا ضد ذوات أهل السلطة وهم يتناطحون على رقعتها الانتخابية، من دون أن تحسم لصالح أحد منهم، فلم يعد لجنرالات الحرب بريقهم الذي يصعد بهم إلى السلطة بأي أغلبية مريحة.
في مجتمع عنصري كهذا، طبيعي أن تفشل صيغ الانتخاب المباشر، وأن تتفشّى فيه العنصرية لتطفو بين حين وآخر على السطح، كما تغور في الأعماق؛ مولّدة موجاتٍ من التعصب بتكويناته التراكمية التي تتم بصمت وهدوء، كما عبر هيجان عنصرية تتلظّى فجأة، لكنها قد تبقى تراكم في الأعماق لظى ثورة مظلومين، يقاسون ظلم ذوي قربى. وما تردّد في هبّة الفلاشا الإثيوبيين أخيرا عن رفعهم أعلاما فلسطينية، وترديدهم شعاراتٍ ضد إسرائيل والمؤسسة الحاكمة، وليس ضد الحكومة فحسب، مؤشّر على عداء معظم اليهود الشرقيين، الفلاشا خصوصا، يهود المؤسسة الإشكنازية الكولونيالية الحاكمة. ما يؤكد أن إسرائيل سيأتيها يوم يمكن أن تذوب فيه، انطلاقا من محشرها العنصري التعصبي هذا.
لم يكن عبثا الرفض الذي تبنته المؤسسة الحاكمة عبر معظم رؤساء الحكومات، منذ بن غوريون وصولا إلى غولدا مائير، انطلاقا من عنصرية فاقعة حكمت مواقفهم، بحجة أنه لا ينطبق عليهم "قانون العودة/ الهجرة" الصهيوني، ومزاعم أخرى لم تثبت حقيقتها أو مصداقيتها. وبدءا من 1975 وافق رئيس حكومة الاحتلال إسحاق رابين، على "استعادتهم" من موطنهم، لتبدأ موجات الهجرة الجماعية بدءا من 1979 وحتى 1990، إذ وصل 16 ألف يهودي إثيوبي إلى فلسطين المحتلة، لكن أغلبيتهم وصلوا في عمليتي موسى عامي 1984 و1987 وعملية سليمان عام 1991، حينما نقل آلاف منهم عن طريق السودان، بتنسيق سري من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
قد تكون واحدة من جولات احتجاج اليهود الفلاشا انتهت، بعد يومين من عنف دام، إثر مقتل شاب برصاص الشرطة الإسرائيلية، ولكن العنصرية والمسببات التي تستدعي الصدام والاضطراب بين فترة وأخرى لم تنته بعد، ولن تنتهي في ظل عنصريةٍ متجذّرة في مجتمع يفتقد أيا من عناصر التسامح، بقدر ما نشأ على أعمال القتل والعدوانية والممارسات التمييزية، لتنتقل ملفات الهبّة قصيرة الأمد إلى المحاكم الإسرائيلية، حيث تبيّن أن الشرطة التي امتنعت في يومي التظاهرات عن المواجهة الميدانية مع المتظاهرين اعتقلت أكثر من مئتي متظاهر، بعد توثيق مشاركتهم في التظاهرات وأعمال الاحتجاج، عبر كاميرات عناصر الشرطة، وكاميرات المراقبة والسرعة المنتشرة في الطرق الرئيسية.
ذكرت الصحف الإسرائيلية أن المحاكم تواصل تمديد اعتقال النشطاء البارزين في هذه
وهكذا مرة أخرى، يجد يهود الفلاشا في إسرائيل أنفسهم في مواجهة مباشرة مع المؤسسة السياسية – الأمنية الحاكمة، ضحايا عنصريتها القاسية والاستخفاف بهم؛ بسبب لون بشرتهم وأصولهم الإثيوبية، بعد مقتل أحد شبابهم من دون مبرّر من رجل شرطة. وجاءت الحادثة حلقة في مسلسل جرائم قتل ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في الماضي، منها اعتداءات على شباب فلاشا يرتدون الزي العسكري، ويخدمون في الجيش. ومثل كل مرة يسقط فيها ضحايا عنصرية المتعصبين اليهود الغربيين، أثار مقتل الشاب الإثيوبي الأصل ضجة واسعة وحالة غضب، حيث أغلق مئات من يهود الفلاشا شوارع مركزية وأشعلوا حرائق في مفارق مركزية، ما تسبب باختناقات مرورية كبيرة. ووجه قادة الفلاشا الاتهامات للشرطة بالضغط السريع على زناد السلاح، عندما يكون الهدف من غير اليهود الغربيين، خصوصا من المهاجرين الجدد من إفريقيا بسبب لون بشرتهم. وزاد غضب يهود الفلاشا بعدما أطلقت محكمة إسرائيلية سراح الشرطي القاتل، وأرسلته إلى حبس منزلي داخل فندق.
وكانت تل أبيب قد شهدت في عام 2015 اضطرابات لعدة أيام، بعدما تظاهر اليهود المهاجرون من إثيوبيا (الفلاشا) احتجاجا على التمييز العنصري اللاحق بهم، وسط محاولات رسمية لامتصاص غضبهم. وشارك وقتها آلاف من هؤلاء اليهود في مظاهرة سلمية، وهتفوا ضد عدوانية الشرطة تجاههم، وتفشي العنصرية الرسمية والشعبية ضدهم، بسبب لون بشرتهم السوداء. وتعيد هذه الجريمة الجديدة الأنظار لوضع يهود الفلاشا في إسرائيل (نحو 150 ألفا في 19 بلدة)، وهم يعيشون في أحياء فقيرة ومهملة، ومدن صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم، وتبلغ نحو 40% خصوصا من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.
ويقول يهودي من هؤلاء، مقيم في العفولة، إنه يبحث عن عمل منذ عامين من دون جدوى،
هل هي مصادفة تجعل من بعض البشر ضحايا عنصرية وتمييز فاقعين، خصوصا في كيان كولونيالي، في داخل مجتمعه، ومؤسسات سلطاته العسكرية والأمنية والسياسية، رؤية متجذرة في التعصب والعنصرية والتمييز ومعاداة الآخر، حتى بين مكوناته التي تعاني اغترابا مزدوجا ومضافا، بين الانتماء وعدم الانتماء، وتشظّي هوياتٍ غير منسجمة، قد لا تستطيع أن تبلور هوية متكاملة لجهة الحفاظ على انتماء هوياتي، وعادات وتقاليد وثقافة ولغة موحدة، ليس شرطا أن تكون مكتوبة أو منطوقة.
أكثر من سبعين عاما، والاحتلال الكولونيالي يشهد على سقوط قيم الديمقراطية والتعدّدية
تحمل إسرائيل في جيناتها غلالات غير شفافة من العنصرية. منذ نشأتها، توجد فيها طبقات متراكمة من التعصب والعنصرية، وضد كل الاتجاهات السياسية والدينية والطائفية والفكرية والأيديولوجية؛ وأخيرا ضد ذوات أهل السلطة وهم يتناطحون على رقعتها الانتخابية، من دون أن تحسم لصالح أحد منهم، فلم يعد لجنرالات الحرب بريقهم الذي يصعد بهم إلى السلطة بأي أغلبية مريحة.
في مجتمع عنصري كهذا، طبيعي أن تفشل صيغ الانتخاب المباشر، وأن تتفشّى فيه العنصرية لتطفو بين حين وآخر على السطح، كما تغور في الأعماق؛ مولّدة موجاتٍ من التعصب بتكويناته التراكمية التي تتم بصمت وهدوء، كما عبر هيجان عنصرية تتلظّى فجأة، لكنها قد تبقى تراكم في الأعماق لظى ثورة مظلومين، يقاسون ظلم ذوي قربى. وما تردّد في هبّة الفلاشا الإثيوبيين أخيرا عن رفعهم أعلاما فلسطينية، وترديدهم شعاراتٍ ضد إسرائيل والمؤسسة الحاكمة، وليس ضد الحكومة فحسب، مؤشّر على عداء معظم اليهود الشرقيين، الفلاشا خصوصا، يهود المؤسسة الإشكنازية الكولونيالية الحاكمة. ما يؤكد أن إسرائيل سيأتيها يوم يمكن أن تذوب فيه، انطلاقا من محشرها العنصري التعصبي هذا.