يوميات ما قبل الثورة المصرية تتكرّر: برلمان مشوّه وتعذيب

25 يناير 2016
الوضع الاقتصادي يُحفّز على تأجيج الثورة (الأناضول)
+ الخط -
"ما أشبه الليلة بالبارحة". هكذا تتطابق الأحداث التي شهدتها مصر مع نهاية عام 2015، مع أحداث أواخر عام 2010، العام الأخير لحكم الرئيس المخلوع، حسني مبارك، قبل قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. تتعدّد نقاط التشابه من انتهاكات مستمرة للشرطة، وتعذيب وقتل في السجون، إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة معدّلات التضخم، وصولاً إلى خروج الانتخابات التشريعية ببرلمان مشوّه، مليء بالوجوه المرفوضة شعبياً.
"إسقاط الاستبداد"، شعارٌ أطلقه بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للنزول، اليوم الإثنين، بمناسبة ذكرى 25 يناير، للتظاهر ضد حكم الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في الذكرى الخامسة للثورة المصرية، وتبنّتها حركات وقوى ثورية عدة، في مقدمتها حركة "شباب 6 أبريل".

وكانت أحزاب وحركات شبابية قد أعلنت مقاطعتها انتخابات مجلس النواب، اعتراضاً على إدارة المشهد الانتخابي، في ظل حكم الرئيس المنتمي إلى المؤسسة العسكرية، وانفراد السلطة التنفيذية بوضع قوانين الانتخابات، وتفصيلها، بما يخدم مصالحها، واستمرار القمع من قبل الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها أحزاب "مصر القوية" و"الوسط" و"الدستور" و"قائمة صحوة مصر".

التعذيب داخل أقسام الشرطة
في 6 يونيو/حزيران 2010، وقعت الحادثة الأهم في تاريخ الثورة، بمقتل الشاب السكندري، خالد سعيد، إثر تعرّضه للضرب المبرح، والتعذيب الوحشي على يد ضابط شرطة، ومخبرين. أشعل الفيديو المنتشر على مواقع التواصل آنذاك غضب الشباب، ودعت الصفحة، التي دشنها الناشط وائل غنيم، وحملت اسم "كلنا خالد سعيد" إلى تظاهرات 25 يناير.

المشهد يتكرّر حالياً بكل تفاصيله، وأبطاله، إلا أن الزمان والمكان يختلفان: فثلاث مناطق متفرقة هي الإسماعيلية، والأقصر، وشبين القناطر، شهدت في أقل من أسبوع ثلاث حالات قتل، ناتجة عن التعذيب داخل أقسام الشرطة، ولم تكن تلك الحالات الأولى، إذ سبقتها عشرات الوقائع في العديد من المحافظات.

وتنصّ المادة 52 من الدستور المصري على أن "التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم". كما تنصّ المادة رقم 96 منه على أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وتوفّر الدولة الحماية للمجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء، وفقاً للقانون".

في الإسماعيلية، انتشر أخيراً فيديو للصيدلي، عفيفي حسن عفيفي، (48 عاماً)، تذرّع خلاله ضابط شرطة بوجود بلاغ يفيد ترويجه للأقراص المخدرة داخل صيدلية زوجته، التي يديرها، واعتدى عليه بالضرب، ثم اقتاده إلى قسم الشرطة، مما أدى إلى سقوطه مغشياً عليه، ووفاته بسكتة قلبية.

اقرأ أيضاً: خبراء: كلام السيسي لتونس يعكس تخوفه من 25 يناير


واقعة مشابهة في محافظة الأقصر، بعد العثور على جثة المواطن، طلعت شبيب، وبها آثار تعذيب، وضرب، وصعق بالكهرباء في مناطق البطن، والرقبة، والرأس، وكشفت الملابسات عن مقتله على أيدي ضباط قسم الشرطة.
مقاطع الفيديو التي تثبت تعرّض عفيفي وشبيب للضرب والتعذيب، دفعت نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الدعوة إلى ثورة جديدة على الداخلية وأقسام الشرطة. كما نظّمت عدد من الجهات شبه الرسمية، كنقابة الصيادلة والأطباء، وقفات احتجاجية اعتراضاً على عودة القمع والتعذيب.

وفي مركز شبين القناطر، في القليوبية، لقي عمرو أبو شنب مصرعه خلال التحقيق معه داخل حجز قسم شرطة المركز، واتهمت أسرته ضباط المباحث بتعذيبه لمدة يومين داخل مركز الشرطة، بعد إلقاء القبض عليه اشتباهاً في سرقة أحد محلات الهواتف المحمولة.

وقد أكد نائب رئيس لجنة الخمسين لإعداد الدستور، كمال الهلباوي، أن "تجريم التعذيب بجميع أنواعه وأشكاله يُعّد نصّاً صريحاً في الدستور"، مديناً وقائع التعذيب التي شهدتها أقسام الشرطة الأسبوع الماضي. وشدد الهلباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة معاقبة كل من يشترك في تعذيب مواطن أو يعتدي عليه، ويهين كرامته، مهما مر من الوقت". وأضاف أن "الأزمة التي تواجه مصر حالياً، هي دعوات بعض النواب الفائزين أخيراً بتعديل الدستور أو تغييره، من دون ترجمة مواده أولاً إلى قوانين، وتجربتها على أرض الواقع".

برلمان "موافقون"
وسط مقاطعة من أغلب القوى السياسية البارزة، آنذاك، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وحزب "الوفد"، انعقدت الجلسة الافتتاحية لآخر برلمانات مبارك، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2010، الذي وصفه البعض بـ"القشة التي قصمت ظهر البعير"، وذلك بعد فوز الحزب الوطني السابق بـ 424 مقعداً من إجمالي 518 مقعداً، في ظل غياب تام لأحزاب المعارضة. وكانت عدد من القوى السياسية قد انسحبت من جولة الإعادة بتلك الانتخابات، احتجاجاً على ما شاب الجولة الأولى من "تزوير وعنف"، وذلك في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2010. الأجواء والتواريخ تتشابه، فمجلس النواب ينعقد وسط غياب حقيقي للمعارضة، ومقاطعة عدد من الأحزاب كـ"الدستور" الذي أسسه محمد البرادعي، و"مصر القوية" الذي يرئسه عبد المنعم أبو الفتوح، اعتراضاً على النظام الانتخابي، وأدوات الدولة القمعية في إدارة المشهد السياسي.

وجاءت نتائج محافظات المرحلة الأولى، والجولة الأولى من المرحلة الثانية للانتخابات، لتؤكد أن قائمة "في حب مصر" هي "قائمة الدولة"، بعد أن حصلت على جميع المقاعد المخصصة للقوائم في قطاعات الجمهورية الأربعة، بواقع 120 مقعداً، فضلاً عن فوز رجال الحزب الوطني "المنحل" بنحو 80 مقعداً بالمجلس التشريعي.

وأثار ترشح وفوز عدد من الشخصيات، التي عُرفت بمهاجمتها ثورة 25 يناير، وتأييدها النظام الحالي، مثل الإعلامي عبد الرحيم علي، ورئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، ومالك فضائية "الفراعين"، توفيق عكاشة، سخط قوى معارضة من المحسوبة على ثورة يناير. وتماثل عزوف المواطنين عن الإدلاء بأصواتهم في برلماني 2010 و2015، تحديداً شرائح الشباب، وتركز التصويت على كبار السن، وانتشار ظاهرة شراء الأصوات مقابل المبالغ النقدية.

في هذا السياق، قال نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، وحيد عبد المجيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "البرلمان جاء مكمّلاً للشكل، ويوافق بطريقة آلية على قرارات السلطة التنفيذية، والتشريعات التي يرغب نظام الرئيس الحالي في تمريرها". وأشار عبد المجيد إلى أن "الانتخابات الجارية لم تسفر عن تمثيل حزبي عادل، وسط سيطرة بعض القوى المدعومة من السلطة على غالبية المقاعد، فضلاً عن غياب الكفاءات التي تصلح لقيادة هذا البرلمان".

تدهور الوضع الاقتصادي
بعد انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس/آذار الماضي، الذي أعقبه افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في شهر أغسطس/آب، روّجت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، أن مصر ستشهد طفرة اقتصادية داخلياً وخارجياً، إلا أنه على النقيض، تدهور الوضع الاقتصادي، وازدادت معدلات التضخم خلال الأشهر الماضية.

وبحسب إحصائية الملاحة الدورية الصادرة من هيئة قناة السويس، فإن عائدات القناة بلغت خلال الفترة من أول يناير/كانون الثاني حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015 4.337 مليار دولار، بتراجع بلغ 3.9 في المائة عن الفترة نفسها من سنة 2014، التي وصلت إيراداتها إلى 4.516 مليار دولار.

وكشف الجهاز المركزي للإحصاء عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين المصريين، الذي يقيس التغير في أسعار السلع والخدمات لدى تجار التجزئة، بنسبة 11 في المائة، خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مقارنة بأسعار نفس الشهر من عام 2014، كما زادت أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة 11.6 في المائة، الأمر الذي دفع السيسي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى التعهّد بضبط الأسعار خلال هذا الشهر، من دون الإشارة إلى آليات تنفيذه، قبل أن يتراجع في خطابه خلال حفل إطلاق إشارة البدء في مشروع تنمية شرق بورسعيد، يوم السبت، وذلك بمطالبته بمدّ المهلة لمدة شهر آخر، والادعاء بتقليل الأسعار، وضبط منافذ ثابتة للبيع.

ولأن التاريخ يعيد نفسه، تتشابه إحصاءات 2015 الاقتصادية بنظيرتها في عام 2010، إذ جاءت إحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات أواخر سبتمبر 2010، لتظهر ارتفاع معدل التضخم بنسبة 15 في المائة، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم المواد الغذائية.

قانون التظاهر
في مايو/أيار 2010 وافق البرلمان المصري على تمديد حالة الطوارئ لعامين إضافيين بأغلبية 68 في المائة من نواب البرلمان، وسط مطالبات المنظمات الحقوقية، وأغلب القوى السياسية، في الشارع المصري، بإلغاء حالة الطوارئ، والتي كانت أحد أهم أسباب اندلاع الثورة. وفي 2015 استبدل قانون الطوارئ بقانون التظاهر، الذي أصدره الرئيس المؤقت، عدلي منصور، نهاية عام 2013، رغم رفض القوى الثورية، والمنظمات الدولية. وطالبت أحزاب وقوى ثورية بإلغاء القانون أو تعديل نصوصه ليسمح بالاحتجاج السلمي، معتبرة أن القانون "يسلب أهم مكتسبات الثورة، ممثلةً في حرية التعبير عن الرأي"، لكنه لم يعرض أصلاً على البرلمان.

اقرأ أيضاً: مصر: دعوات متصاعدة للمشاركة في ذكرى الثورة تربك النظام