يوم اللاجئ الدولي: حكاية ترحال فلسطينية من الآباء للأبناء

21 يونيو 2014
يعيش في مخيم شعفاط 40 ألف لاجئ(محمد عبد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

اضطر محمد، في سن السادسة، إلى ترك مسكنه المتواضع مع عائلته في "حارة الشرف" في البلدة القديمة من القدس المحتلة، قبل أن يهدمها الاحتلال إبّان نكسة يونيو/ حزيران عام 1967. حُفرت تلك الأيام في ذاكرة الطفل، الثامن بين عشرة أخوة، في عائلة تنحدر من خربة "اللويبدة" (إحدى خرب بلدة دورا في الخليل).

بدت "حارة الشرف"، قبل الرحيل عنها، أشبه بصندوق دجاج عصفت به ريح عاتية، فاندفع مَن في الصندوق هرباً، فيما السحب المنبعثة من تراب الأبنية التي شرعت الجرافات الإسرائيلية بهدمها تخنق الفارين، تلطخ جدران المباني الأخرى في المحيط القريب بلون رمادي داكن.

يروي محمد أن صراخه وأقرانه كان يملأ الحارة والزقاق، بعدما حمل الجميع، على الرغم منهم، عصا الترحال إلى خارج أسوار المدينة المقدسة المسكونة آنذاك بأشباح الموت وبذعر لا تخفيه عيون الكبار. لم يتوقع الرجال حينها سقوط مدينتهم من دون قتال حقيقي في غضون ساعات.
انتقلت عائلة محمد إلى ربوة من أراضي بلدة شعفاط (شمال القدس)، التي استأجرتها وكالة "أونروا" لمدة 99 عاماً، لتقيم عليها وحدات سكنية للاجئين والنازحين الجدد. كان نصيب العائلة غرفة واحدة فقط، زُجّ بالأبناء العشرة فيها كما تُزَجُّ عيدان الكبريت في علبتها. كان لزاماً على محمد، وأفراد أسرته وعشر عائلات في الجوار، استخدام دورة مياه واحدة وضعت في الخلاء. ما اضطره في أحيان كثيرة إلى التبوّل في ملابسه على أن يذهب وحيداً إلى الحمام خوفاً من القطط والكلاب الضالة التي كانت تجول بين مساكن اللاجئين معلنة ما يشبه حظر التجول على حركة الصغار.

أما عند الاستحمام، فكان كل فرد من العائلة يتخذ ركناً ملاصقاً للمسكن الجديد يتوارى فيه عن الأنظار خجلاً. ولم يكن الحصول على مياه الشرب سهلاً، بينما مياه الاستحمام كان استخدامها شحيحاً لقلتها. وكان يتم الحصول على المياه من عين ماء تابعة لـ"أونروا"، تجتمع عليها العائلات في طوابير طويلة في انتظار الحصول على حصتها من الماء، وغالباً ما كانت تنتهي بعراك بين النسوة. يضحك محمد كثيراً، حين يروي تلك الأحداث.

كان الانتقال من "حارة الشرف" إلى مخيم شعفاط، أولى محطات الترحال المستمر لمحمد، وهو لا يزال مستمراً في رحلة البحث عن مسكن ومأوى وعن حق في السكن.

اليوم، بات مخيم شعفاط واحداً من أكبر مخيمات اللجوء في القدس، وهو بالمناسبة المخيم الوحيد في "الحدود المصطنعة لدولة الاحتلال". يحمل سكانه من دون كل سكان مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، بطاقة الهوية الزرقاء، ما مكّنهم من الانتقال الحر عبر حواجز الاحتلال.

يربو عدد سكان المخيم الآن عن 40 ألف نسمة، وكان قد تحوّل، خلال سنوات الانتفاضة الاولى، إلى مأوى لآلاف أخرى من فلسطينيي الضفة الغربية الذين لجأوا إليه بعدما تزوج شباب كُثر من مقدسيات.

في يوم اللاجئ الفلسطيني، وبعد 47 عاماً من الاحتلال واللجوء إلى المخيم، تغيّرت ملامح المخيم ديمغرافياً وجغرافياً، لكن حياة محمد لم تتغيّر كثيراً في رحلة اللجوء الطويلة.

بات أباً وقد شارف على الـ55 من عمره. ورَّث أبناءه حكاية الرحيل واللجوء، وحفظوا منه تفاصيلها، كما حفظ هو التفاصيل نفسها عن والده الذي رحل قبل عقد من الزمان، وكان حلمه الدائم أن يعود إلى وطنه الأصغر (اللويبدة). هذا الحلم ورثه محمد، من بعد أبيه، والابناء أيضاً باتوا يحملون الحلم ذاته ولا ينسونه أبداً، كما لم ينسَه والدهم. وتظل الحكاية، كما يقول محمد، وأبناؤه، سيرة تُروى وتُكتب في ما بقي من الزمان.
المساهمون