يصادف الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر من كل عام،"اليوم العالمي للغة العربية" الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2012، للاحتفاء بـ اللغة العربية، بعد أن أعلنت أياماً للغات أخرى، هي الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية.
وقد أقامته اليونسكو هذا العام تحت شعار "اللغة العربية والعالم الرقمي"، حيث تنظم عشرات الفعاليات من قبل مؤسسات ثقافية مختلفة في البلاد العربية والأجنبية التي تعرف مهاجرين وجاليات عربية كبيرة، مثل فرنسا وألمانيا، دون أن يبقى لهذه الفعاليات أثر باقي أيام السنة.
من ذلك إقامة أسابيع للغة العربية في المؤسسات الأكاديمية المختلفة، ومعارض للخط العربي، وندوات حول تحديات اللغة العربية في العالم الافتراضي، وتظاهرات آنية هنا وهناك تناقش تحديات لغتنا المختلفة.
ليس خفياً، أن واحدة من أبرز تحديات العربية حاجتها إلى بناء علاقة مع العلوم ومصطلحاتها وكتابتها بعد عقود من انقطاع الإنتاج العلمي باللغة العربيّة.
من جهة أخرى، تبدو العربية عاجزة عن اللحاق بالطفرة الرقمية والمحتوى الافتراضي والتقنية ومفرداتها الضخمة، لكن هذا العجز ليس لمشكلة في طبيعة اللغة نفسها، بقدر ما هو انعكاس لتردي المؤسسات الأكاديمية وضعف الجهود وتشتتها، ما يجعل مقولة أن حال اللغة ليس إلا انعكاساً للثقافة والمجتمع بل والظرف السياسي ليس بعيداً عن الصحة.
لا شك أن ثمة اعتداداً كبيراً بالعربية لا يقابله فعل ينسجم مع هذا الفخر الذي أصبح رمزياً، من دون أن يترجمه المسؤولون وصناع القرار إلى سياسات ثقافية ورفد لعلوم اللسانيات والتواصل وتبنّي مناهج عربية متطورة والعمل الفعلي على تعريب المصطلحات البحثية في الحقول المختلفة وتحديثها أولاً بأول، ومحاولة صناعة محتوى رقمي يوازي الذي تقدمه لغات أخرى، إلى جانب تحديث معاجمها التي تستخدم لتفسيرها في لغات أخرى.
يتكلم العربية يومياً ما يزيد على 290 مليون نسمة من سكان الأرض، إنها لغة لم تبخل يوماً على أهلها، ولم تكن أبداً قاصرة في لهجاتها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية وخطوطها والتعبير الأدبي والفني بها، رغم ذلك فإن الشرط المقلق الذي تعيشه العربية اليوم بحاجة إلى عقول وسياسات تعمل معاً وفق منهجية صارمة وواضحة ومستمرة، لكي لا تصبح العربية يوماً لغة جميلة وحسب، تعيش في زمان خارج عصر الناطقين بها.