30 يونيو 2016
يَحدثُ في مَدينة حَديثَة
مروان ياسين الدليمي (العراق)
وسط فوضى ومعمعة القتال بين داعش والقوات العراقية، غابت عنّا صورة ناصعة تستحق الإجلال، عبَّرت عنها مدينة حديثة في محافظة الأنبار (260 كيلومترا غرب بغداد)، وتمتد على ضفاف نهر الفرات مسافة قدرها 25 كلم.
تقاوم مدينة حديثة منذ عام حصاراً رهيباً فرضه عليها تنظيم دولة الدولة الإسلامية، بسبب مقاومتها له، لمنعه من دخولها، وقد دفع ما تبقى من سكانها ثمن هذا الموقف عشرات الضحايا والشهداء، فَمَن لم يَمُت من الجوع سقط شهيداً، خلف السواتر الترابية دفاعاً عنها.
(لو كان الجوع رجلا لقتلته). هذا أبلغ قول عبَّر فيه أبو ذر الغفاري عن موقفه إزاء ما يفعله الجوع بالبشر، حين يحاصرهم، فالحصار بات شديدا جدا على سكان حديثة من كل الجهات، ما أجبر المتبقين من سكانها، وعددهم مائة ألف نسمة، على أن يأكلوا أوراق الشجر والأعشاب الصحراوية، ومع هذا مازال الآباء والأبناء والنساء يقاتلون جميعاً من أجل ألا تسقط المدينة تحت سلطة داعش.
ما الذي يمكن قوله عن سكان هذه المدينة؟ أية كلمات يمكن أن تنصفهم؟ لا يكفي أن نقول عنهم أبطالاً أو شجعاناً أو فرساناً، لا يكفي، فالكلمات التي تعوَّدنا أن نستهلكها في غير أماكنها، وفي غير الذين يستحقونها تتهاوى أمامهم.
وسط التهريج الإعلامي الرسمي، وخلف عبارات المديح التي قد يقولها، هنا وهناك، على استحياء، عن صمود سكان هذه المدينة، مسؤولون حكوميون، نجد أنفسنا في حَيرة من أمرِنا، ونعجز عن تفسير ما نسمع ونقرأ من أخبار تتناقلها وكالات الأنباء، تؤكد لنا، وعلى لسان أبناء حديثة وزعمائها، أنَّ المساعدات الغذائية التي تصل إليهم، بين فترة وأخرى، عبر الجسر الجوي الذي أقامته وزارة الدفاع العراقية، تختفي فجأة من المخازن، لتظهر في أسواق المدينة، حتى تباع السلعة الواحدة بعشرة أضعاف سعرها، وعلى الرغم مما أقدمت عليه القيادة العسكرية العراقية من إجراءات استبدلت، بموجبها، القادة العسكريين المسؤولين عن المنطقة، والمشتبه بتورطهم بهذه العمليات، إلاّ أن اختفاء المساعدات الغذائية مازال قائماً.
هذا يعني أن الجشع في نفوس تجار الحروب، وهو أمر طبيعي، وصل إلى أقصى مداه، عندما لم يترددوا في أن يستثمروا صمود مدينةٍ، تقاوم وتقاتل على أشرس جبهتين: الحصار والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فقد استثمرالجشعون هذا الصمود، لمنافعهم الشخصية، لأجل أن تزداد ثرواتهم على حساب ألمٍ أسطوري، يتحمله شعب مدينة صغيرة يقاتل، وهو شبه أعزل، بكرامته وعزّة نفسه وشرفه الشخصي، قبل أن يقاتل تحت عناوين كبيرة، طالما تاجر بها الساسة والأحزاب المتخمة جيوبها وبطونها من آلام الناس وعذاباتها.
لا يمكن وصف هذا السلوك بأنه بشري، وينتمي للطبيعة الإنسانية، هو أقرب إلى سلوك الحيوانات المتوحشة منه إلى الكائنات الأليفة، ولا يمكن النظر إلى مثل هؤلاء إلاّ على أنهم قتلة، ويستحقون أقصى العقوبات. حديثة قبل عام لم تكن تعاني من أزمة انقطاع التيار الكهربائي، بسبب وجود محطة فيها لتوليد الكهرباء، إلاّ أنها باتت تعيش في ظلمة تامة منذ عام، سببه انخفاض كبير جدا في منسوب مياه نهر الفرات الذي تعتمد عليه محطة توليد الطاقة الكهربائية، كذلك بسبب الحصار الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية عليها من كل الجهات.
ظلام تام يعتقل المدينة منذ عام، وعزلة تامة عن العالم، وأناس يقاتلون أشرس قوة وأكثرها وحشية بأبسط الأسلحة، فهل يستحق هؤلاء الذين صدوا أكثر من 300 هجوم داعشي في الأشهر الستة الأخيرة، حسب المصادر العسكرية العراقية، أن نزيد من قسوة الحصار عليهم وتجويعهم، أم نقدم لهم، قبل الماء وقبل الغذاء وقبل الدواء، أغلى ما لدينا، وفاءً وإكراماً لهم؟
تقاوم مدينة حديثة منذ عام حصاراً رهيباً فرضه عليها تنظيم دولة الدولة الإسلامية، بسبب مقاومتها له، لمنعه من دخولها، وقد دفع ما تبقى من سكانها ثمن هذا الموقف عشرات الضحايا والشهداء، فَمَن لم يَمُت من الجوع سقط شهيداً، خلف السواتر الترابية دفاعاً عنها.
(لو كان الجوع رجلا لقتلته). هذا أبلغ قول عبَّر فيه أبو ذر الغفاري عن موقفه إزاء ما يفعله الجوع بالبشر، حين يحاصرهم، فالحصار بات شديدا جدا على سكان حديثة من كل الجهات، ما أجبر المتبقين من سكانها، وعددهم مائة ألف نسمة، على أن يأكلوا أوراق الشجر والأعشاب الصحراوية، ومع هذا مازال الآباء والأبناء والنساء يقاتلون جميعاً من أجل ألا تسقط المدينة تحت سلطة داعش.
ما الذي يمكن قوله عن سكان هذه المدينة؟ أية كلمات يمكن أن تنصفهم؟ لا يكفي أن نقول عنهم أبطالاً أو شجعاناً أو فرساناً، لا يكفي، فالكلمات التي تعوَّدنا أن نستهلكها في غير أماكنها، وفي غير الذين يستحقونها تتهاوى أمامهم.
وسط التهريج الإعلامي الرسمي، وخلف عبارات المديح التي قد يقولها، هنا وهناك، على استحياء، عن صمود سكان هذه المدينة، مسؤولون حكوميون، نجد أنفسنا في حَيرة من أمرِنا، ونعجز عن تفسير ما نسمع ونقرأ من أخبار تتناقلها وكالات الأنباء، تؤكد لنا، وعلى لسان أبناء حديثة وزعمائها، أنَّ المساعدات الغذائية التي تصل إليهم، بين فترة وأخرى، عبر الجسر الجوي الذي أقامته وزارة الدفاع العراقية، تختفي فجأة من المخازن، لتظهر في أسواق المدينة، حتى تباع السلعة الواحدة بعشرة أضعاف سعرها، وعلى الرغم مما أقدمت عليه القيادة العسكرية العراقية من إجراءات استبدلت، بموجبها، القادة العسكريين المسؤولين عن المنطقة، والمشتبه بتورطهم بهذه العمليات، إلاّ أن اختفاء المساعدات الغذائية مازال قائماً.
هذا يعني أن الجشع في نفوس تجار الحروب، وهو أمر طبيعي، وصل إلى أقصى مداه، عندما لم يترددوا في أن يستثمروا صمود مدينةٍ، تقاوم وتقاتل على أشرس جبهتين: الحصار والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فقد استثمرالجشعون هذا الصمود، لمنافعهم الشخصية، لأجل أن تزداد ثرواتهم على حساب ألمٍ أسطوري، يتحمله شعب مدينة صغيرة يقاتل، وهو شبه أعزل، بكرامته وعزّة نفسه وشرفه الشخصي، قبل أن يقاتل تحت عناوين كبيرة، طالما تاجر بها الساسة والأحزاب المتخمة جيوبها وبطونها من آلام الناس وعذاباتها.
لا يمكن وصف هذا السلوك بأنه بشري، وينتمي للطبيعة الإنسانية، هو أقرب إلى سلوك الحيوانات المتوحشة منه إلى الكائنات الأليفة، ولا يمكن النظر إلى مثل هؤلاء إلاّ على أنهم قتلة، ويستحقون أقصى العقوبات. حديثة قبل عام لم تكن تعاني من أزمة انقطاع التيار الكهربائي، بسبب وجود محطة فيها لتوليد الكهرباء، إلاّ أنها باتت تعيش في ظلمة تامة منذ عام، سببه انخفاض كبير جدا في منسوب مياه نهر الفرات الذي تعتمد عليه محطة توليد الطاقة الكهربائية، كذلك بسبب الحصار الذي يفرضه تنظيم الدولة الإسلامية عليها من كل الجهات.
ظلام تام يعتقل المدينة منذ عام، وعزلة تامة عن العالم، وأناس يقاتلون أشرس قوة وأكثرها وحشية بأبسط الأسلحة، فهل يستحق هؤلاء الذين صدوا أكثر من 300 هجوم داعشي في الأشهر الستة الأخيرة، حسب المصادر العسكرية العراقية، أن نزيد من قسوة الحصار عليهم وتجويعهم، أم نقدم لهم، قبل الماء وقبل الغذاء وقبل الدواء، أغلى ما لدينا، وفاءً وإكراماً لهم؟