وكان أول ردّ فعل أمني على هذه الاعتداءات، بعد اعتقال وسجن العشرات من السلفيين، هو التحصّن بخطط أمنية واستخباراتية قوية تواجه خطورة الخلايا والجماعات الإرهابية، بما في ذلك استحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي تخصص في ملاحقة ومتابعة ملفات الإرهاب، وساهم في تفكيك العديد من الخلايا ذات الصلة بتنظيمات متطرفة، مثل "داعش".
في موازاة ذلك، تمّ تنظيم الحقل الديني في المغرب وإعادة هيكلته، من أجل مواجهة الفكر المتطرف، وذلك بتديّن سماه كثيرون "الإسلام المغربي"، القائم على التمسّك بمؤسسة "إمارة المؤمنين" لتحسم الجدل الديني حول هذا الملف، وأيضاً تبني المذهب المالكي الوسطي، والعقيدة الأشعرية وطريقة الإمام الجُنيد في "التصوف السني".
أمّا في المشهد السياسي، فقد انخرطت الأحزاب في حملة هجوم على "السلفية الجهادية"، ودعت إلى استئصال الفكر المتطرف، لا بل وصل الأمر إلى حدّ خروج دعوات لحظر حزب "العدالة والتنمية" (الذي يقود الحكومة حالياً). وسبق لرئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، أن كشف في تصريحات له، أنّ العاهل المغربي الملك محمد السادس، تدخّل بنفسه من أجل عدم حلّ الحزب.
ومع مرور السنوات، تلاشت صدمة المغاربة تباعاً، لكنّ آثار تلك الاعتداءات وما تلاها من أعمال إرهابية أقلّ حجماً وتأثيراً، أبقت الجرح مفتوحاً بدون أن يلتئم، في الوقت الذي باشرت فيه الدولة محاولات مختلفة لتحييد خطر "الجهاديين" داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب، من ضمنهم "مشايخ السلفية الجهادية".
وفي السياق، أطلقت الدولة برنامج "مصالحة"، يشرف عليه مختصون وكوادر دينية، لفائدة السجناء المدانين في قضايا التطرف والإرهاب، يرتكز على ثلاثة محاور هي: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وبالنسبة للخبير في الشأن الديني والجماعات الإرهابية، إدريس الكنبوري، فإنّ اعتداءات 16 مايو باتت مجرّد ذكرى أليمة تعيد للذهن أسوأ عملية إرهابية في تاريخ المغرب، مبرزاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه كانت هناك مقاربتان لمعالجة الآثار؛ الأولى قانونية على أساس أن يكمل المعتقلون مدة الحكم القضائي الخاصة بهم، والثانية حقوقية على أساس إطلاق سراح كل من لم يتورطوا بشكل مباشر في الاعتداءات الإرهابية، وهي المقاربة التي دافع عنها وزير العدل السابق مصطفى الرميد، لكنها لم تطبق. كما برزت مقاربة ثالثة وسيطة، تمثّلت بالعفو الملكي، وخرج بمقتضاها عدد كبير من السجناء في السنوات الماضية.
وأشار الكنبوري إلى أنه "في السنوات الأولى بعد التفجيرات، كان هناك مطلب فتح تحقيق فيها وطي الصفحة، تبناه المعتقلون الذين كانوا يطلقون على أنفسهم تسمية (معتقلي الرأي والعقيدة)، ثمّ تبناه حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية عام 2011 مع انطلاق ثورات الربيع العربي، لكنه تخلى عنه بعد وصوله إلى السلطة". ورأى أنّ "طي ملف الإرهاب في المغرب بشكل نهائي أمر لا يزال بعيداً، فاليوم لا يوجد علاج حاسم لذلك في العالم كله"، موضحاً أنّ "المغرب سلك سبلاً عدة لمحاولة اجتثاث الإرهاب، منها المدخل القانوني المتمثّل في تعديل القانون الجنائي للتدقيق في الجريمة الإرهابية، والمدخل الديني المتمثل في الإصلاح الهيكلي للمؤسسات الدينية، ثم الاجتماعي المتمثّل في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".
من جهته، قال الباحث الإسلامي المغربي، رفيقي أبو حفص، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ السنوات الأخيرة عرفت انفراجاً في التعامل مع ملف "معتقلي السلفية الجهادية"، من نواح عدة، أهمها البعد الأمني، والذي اتسم بالحزم والعمل على المحافظة على الاستقرار، مع مراعاة حقوق الاعتقال وعدم خرق القانون، وهو تطور مهم لا بد من تثمينه، وفق تعبيره. وهناك أيضاً البعد السياسي الذي رأى أبو حفص، وهو معتقل سابق على ذمة ملف الإرهاب قبل أن يخرج بعفو خاص من الملك المغربي، أنّه "تمثّل في مبادرات المصالحة التي أقدمت عليها الدولة في السنتين الأخيرتين، وأثمرت الإفراج عن عدد من المعتقلين".
لكنّ أبو حفص لفت إلى أنّ "هناك ملفات ما زالت عالقة منذ تلك الأحداث، خصوصاً بالنسبة للذين كانوا ضحية التجاوزات والاعتقالات التي تلت الحدث، ثمّ الأحكام التي لم تكن عادلة في حقهم". وشدّد على أنه "لا بدّ من مراجعة ملفات هؤلاء المعتقلين للقطع نهائياً مع تداعيات تفجيرات مايو 2003، خصوصاً أنّ عدداً من المسجونين على خلفية أفكارهم المتطرفة، قد راجعوا أنفسهم ويمكن إلحاقهم ببرامج المصالحة للتأكّد من ذلك، وعدم تركهم في السجون والمعتقلات". ولفت إلى "عدم وجود أي متابعة لمن غادروا السجون، ولا أي محاولات لدمجهم في المجتمع، خصوصاً من تعرّض منهم للظلم، وهو ما يحتاج لمبادرة تراعي هذا الجانب الإنساني".