20 فبراير: خلاصات وقراءات

15 يناير 2016
+ الخط -
بعد مضي زمن على بدء الربيع العربي، لابد من إعادة قراءة المشهد العربي، والمغربي خصوصاً، فالأخير تميز عن باقي الحراكات بنضج أطرافه وسلميته، وعدم إغراق البلد في الدماء والأشلاء، كما وقع في سورية أو اليمن، حين انسحبت منه جماعة العدل والإحسان، وما واكب ذلك من انتقادات، تبين بعدها أنها كانت لحظة موفقة، وتقديرا سياسيا رصينا ورزينا من تنظيم سلمي ينبذ العنف.
أولى الخلاصات، أن الاستبداد الذي امتد قروناً لا يمكن إسقاطه في لحظة، ثم مدى استعداد اليساريين والإسلاميين للحوار والتعاقد حول العيش المشترك، وما يترتب على ذلك من تنازلات وتفاهمات ووثيقة تأسيسية ملزمة، كما وقع في تونس.
كان هناك تنازل كبير لحركة النهضة، يمكن للمتتبع تسجيله، مع ما واكب التجربة برمتها من مطبات "الإرهاب" وألغامه التي تتلقف طريق البناء وتزيد العناء. لكن، على العموم تجربة تسير بخطى ثابتة، لتكون المثال في المنطقة، إن لم تتدخل الأيادي.
أما مصر فكان للعسكر ولازال اليد الطولى في الحياة السياسية، واستغل سذاجة كثيرين، ونقص تجربتهم، وأخطأت الحركة الإسلامية هناك، حين استولت على كل شيء، وتبعها اليسار حين أخفق في تحديد خصمه بدقة، وأخفقت التجربة الانتقالية مع أول رئيس مدني منتخب، وقلتها لأصدقائي يومئذ، على خلاف التجربة المغاربية.
جاءت التجربة المغربية مغايرة تماما، وتم الالتفاف على المطالب، من جهاز تعامل بدهاء وذكاء مع الحراك، ولعب على تناقضات الأطراف وتلاعب بالأسماء والأهواء، فصعد "الإسلاميون" ليؤثثوا المسرحية، وتحدث الناس عن دستور جديد وصلاحيات واسعة ولا شيء. الإسلاميون تم الزج بهم، في انسجام تام مع الموجة العارمة التي اجتاحت المنطقة وما لهم قرار. وثمة ملاحظات تسجل هنا:
- من رفعوا شعار إسقاط النظام واختصروه في أشخاص وأسماء، سرعان ما فهموا الأمور، ولو بعد فوات الأوان، وعلموا أن الأمر أعقد وأكبر من مجرد رمز يسقط، بل هي منظومة كاملة من الفساد والاستبداد، أو ما اصطلحوا عليه بالدولة العميقة والتغيير يتطلب أكثر من لحظة ثورية، وهو ما يتطلب وعياً متزايداً ضرورياً لفهم البنية التي تشكلت مع السنين، ومختلف العلاقات والتوازنات وبناء الآلية التنظيمية الضرورية والقوة اللازمة وتحضير البدائل بدل المعارضات الفارغة، التي سرعان ما تستجيب تحت مسمى "الإختراق الديمقراطي" إلى المفاوضات، وتقبل بأنصاف الحلول، ثم سرعان ما يتم حرقها كما وقع بمصر أو المغرب.
- هناك دائما أطراف توجد في اللعبة القديمة، تغير جلدها مع الوضع الجديد، وتعود إلى المشهد، وعبر أطراف مشاركة في الحراكات أو الثورات، مثال تونس.
- تصنيف القوى المشاركة، لا يجب أن يتم على أساس يساري وآخر إسلامي، بقدر ما يكون، من هو مع الاستبداد ومن ضده؟
- الحوار هو الآلية الوحيدة القادرة على حل كل المشكلات بعيدا عن العنف والتدخل الخارجي والأجندات والفزاعات والإخفاقات.
- الإسلاميون رقم يصعب تجاوزه حاليا، حاضرون بقوة، ولهم امتداد جماهيري كبير، ما داموا ينبذون العنف، ولهم مشروع مجتمعي واضح، ويومنون بالديمقراطية والتعددية والحل السياسي، فيجب أن يفسح لهم المجال من رفاقهم اليساريين، لتلاقح التجارب وتوضيح الرؤى والتصورات، والتواصل المكثف وتعميق المشترك بينهم بعيدا عن التخوين والتكفير، والصراع الفارغ الذي ضيع على الأمة طاقاتها من الجانبين.
- الحماس والمراهقة والعبثية وشعارات الثورة الحمراء والصبيانية لن تبني وطناً، ولن تؤسس لغد أحسن، بقدر ما تعيد إنتاج الصراع، وتفويت الفرص على أمة تتوق للحرية والكرامة، والتي ستصل إليها اليوم أو غدا ولا شك. وبالتالي، كل الشباب العربي مطالب بالتكوين والدراسة وتعميق الاطلاع والإلمام بالساحة والأحداث والمناهج والمشاريع المجتمعية وتجارب الأمم في تدبير الاختلاف والاحترام والتأسيس لثقافة المشترك، وتعلم الإنصات واتساع الأفق وبعد النظر، وعدم التسرع، فالبناء ليس كالهدم، وما أسرع النزقية والحذلقة والظهور والكلام، لكن الممارسة والمراس هما المعول عليهما.
13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
13A7D85F-A336-4E2A-9594-0D759F5F666F
المغرب
المغرب
المغرب