07 نوفمبر 2024
2016 التدريب على المشي البطيء
تعوَّدت، منذ سنوات، كتابة مقالةٍ، عند مطلع كل سنة جديدة ونهاية أخرى داخل دورة الزمان. وقد عملت على تنويع المقاربات وزوايا النظر، قصد التوقُّف أمام بعض مُسْتَجَدَّات المشهد الثقافي، أو المشهد السياسي العربي والعالمي، محاولاً استخراج خلاصات من الأحداث الجارية، ومسائلاً النتائج، والتفكير في إيحاءاتها وتداعياتها. وكنت لا أستسيغ الحديث عن التوقعات، لاعتقادي بصعوبات التنبؤ في مجال الظواهر التاريخية، ثم لاقتناعي الراسخ بأن التوقُّعات تختلط فيها، في الأغلب الأعم، الأماني بالأحلام.
وجدت نفسي، في هذه السنة، مُتَخَوِّفاً من كتابة مقالةٍ أرَحِّب فيها بالسنة التي بدأت، وأودِّع فيها سنةً نعتقد جميعاً، بدرجاتٍ متفاوتة، أنها أتَمَّت دورتها المرتَّبة ضمن تدبير زمني مُحَدَّد. لقد شعرت بالعجز أمام مختلف مظاهر العنف التي ملأت مناطق عديدة من العالم، وتناثرت فيها الجثث طوال أشهر السنة الماضية. كما شعرت بشراسة الذين لا يَرِفُّ لهم جفن داخل بؤر الصراع المشتعلة في سورية والعراق وليبيا، حيث تتواصل ظواهر كثيرة يرفض مدبِّروها الإقرار بأن زمن الاستبداد والطغيان لم يعد مناسباً، وأن المتغيِّرات التي عرفها (ويعرفها) العالم منذ سنوات، تستدعي آليات جديدة في الصراع والمواجهة والتوافق.
وجدتُ نفسي غير قادر على الخوض ببساطةٍ في عرض معطياتٍ تشعرني بأسىً كثير، على
أزمنةٍ ضاعت، وأرواح أزهقت، وغطرسة سياسية وعسكرية تتكرّر بصورةٍ تدعو إلى التقزّز، على الرغم من اقتناعي بأن منطق الصراع والحرب تغيّر مقارنة مع حروبٍ أخرى حصلت في عقودٍ خلت، إلا أن مآزق الراهن المرتبطة بالطبيعة الجديدة لنوعية الصراع السياسي الجارية في العالم جعلتني لا أستطيع الخوض في صُور الصراع التي تتفاقم كل يوم في عالمٍ متغير.
وجدت نفسي أيضاً، في حيرة كبيرة أمام مشهد حزبي مغربي عاجز عن تشكيل أغلبية حكومية، بعد دورة انتخابية جديدة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، حيث يقف النظام المدبِّر لكل ما حصل، غير قادر على إقناع الفاعلين في مشهدنا السياسي، سواء منهم من حَصَّل على مراتب أولى، أو من احتل مراتب دنيا، في الانتخابات التشريعية، فسألت نفسي ما علاقة هذا الذي يجري في مجتمعنا بآليات التمرُّس بقواعد اللعبة الديمقراطية؟ ولم أجد الجواب.
تخليت عن مشروع الكتابة التي ألفت في السنوات الماضية، وصَوَّبْت النظر نحو علاقتي الشخصية بسنة 2016، محاولاً تأمُّل جوانب من حالي وأحوالي الذاتية، حيث لا يمكن الفصل بين أحوالي في كثيرٍ من أوْجُهِهَا، وأحوال العالم في تقلباته وانقلاباته، ومختلف الاشتباكات التي تطفو على سطحه. وكنت، في الأشهر الأخيرة من العام الذي ينصرم، قد سقطت على الأرض مرتين، نتيجة عثراتٍ حصلت لي بفعل طبيعة الطرق التي كنت أمشي فوقها، وبفعل طريقتي في المشي، وهي طريقة لم تعد كما كانت في العقود التي انصرمت من عمري، فقد ترتَّب عن كل ما ذكرت، أي عدم استواء الطريق وعدم القدرة على السير كما تعوَّدْت، ترتَّب عن ذلك حصول العثرات المؤدية إلى السقوط.
وعندما تكرَّر السقوط وتضاعفت مواجعه، أدركت أنني مُطالَبٌ بضرورة التدريب على نمط
آخر من المشي، يختلف عن الذي استأنست به طوال ما يَقْرُب من سبعة عقود. وقد وجدت من المُسَوِّغَات النفسية والعضوية والثقافية ما ساعدني على الاقتناع الواضح بضرورة تَمَرُّسِّي بطريقةٍ أخرى في المشي تجنِّبُنِي العثرات المُحْتَمَلَة، ذلك أن التدريب على أسلوبٍ آخر في المشي ليس سهلاً، وقد استأنست عمراً طويلاً بخطواتٍ مرسومة ومناسبة لطريقتي في المشي.
أفترض أن التمرين على المشي البطيء يتطلَّب صبراً كثيراً، إنه يقتضي اختراق العادة الحاصلة، أي التخلص من النمطية المعتادة في المشي، كما يتطلَّب، قبل ذلك، الانتباه وتركيزاً كثيراً. وفي مختلف هذه العمليات، نكون أمام تمرين ذهني، وآخر حركي، من دون أن يعني ذلك أننا سننجح، بالضرورة، في تحصيل الأمان. الأمر المؤكّد نتيجة للتمارين الجديدة في المشي يُجَنِّبُنا نسبة مُعَيَّنة من نِسَبِ العثرات المحتملة.
تأكّدت أن تجنُّب المشي المعثّر وتجنُّب السقوط أرضاً يتطلب صبراً وجهداً كثيرين. وقد بذلت جهداً كبيراً في الأشهر الأخيرة من السنة التي ودّعنا، لتدريب النفس على طريقةٍ جديدةٍ في المشي. إنني أستقبل اليوم تباشير السنة الجديدة، بخطىً وئيدة وتطلُّع إلى مشي من دون عثرات. وفي غمرة هذا المنجز البسيط، أتطلَّع إلى عالم بدون عنف، عالمٍ يستطيع تدبير صراعاته ومصالحه القديمة والجديدة بخطواتٍ في التدبير مختلفة عن الآليات التي جَرَّب في السنة الماضية، كما أتطلع إلى تشكيل أغلبيةٍ حكوميةٍ تُشْعِر المغاربة فعلاً أنهم في طور انتقالي يتطلَّب التمرُّس بآليات الديمقراطية وقواعدها. .. هل سيحصل هذا، وماذا سيكّلف عند حصوله؟
وجدت نفسي، في هذه السنة، مُتَخَوِّفاً من كتابة مقالةٍ أرَحِّب فيها بالسنة التي بدأت، وأودِّع فيها سنةً نعتقد جميعاً، بدرجاتٍ متفاوتة، أنها أتَمَّت دورتها المرتَّبة ضمن تدبير زمني مُحَدَّد. لقد شعرت بالعجز أمام مختلف مظاهر العنف التي ملأت مناطق عديدة من العالم، وتناثرت فيها الجثث طوال أشهر السنة الماضية. كما شعرت بشراسة الذين لا يَرِفُّ لهم جفن داخل بؤر الصراع المشتعلة في سورية والعراق وليبيا، حيث تتواصل ظواهر كثيرة يرفض مدبِّروها الإقرار بأن زمن الاستبداد والطغيان لم يعد مناسباً، وأن المتغيِّرات التي عرفها (ويعرفها) العالم منذ سنوات، تستدعي آليات جديدة في الصراع والمواجهة والتوافق.
وجدتُ نفسي غير قادر على الخوض ببساطةٍ في عرض معطياتٍ تشعرني بأسىً كثير، على
وجدت نفسي أيضاً، في حيرة كبيرة أمام مشهد حزبي مغربي عاجز عن تشكيل أغلبية حكومية، بعد دورة انتخابية جديدة (7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، حيث يقف النظام المدبِّر لكل ما حصل، غير قادر على إقناع الفاعلين في مشهدنا السياسي، سواء منهم من حَصَّل على مراتب أولى، أو من احتل مراتب دنيا، في الانتخابات التشريعية، فسألت نفسي ما علاقة هذا الذي يجري في مجتمعنا بآليات التمرُّس بقواعد اللعبة الديمقراطية؟ ولم أجد الجواب.
تخليت عن مشروع الكتابة التي ألفت في السنوات الماضية، وصَوَّبْت النظر نحو علاقتي الشخصية بسنة 2016، محاولاً تأمُّل جوانب من حالي وأحوالي الذاتية، حيث لا يمكن الفصل بين أحوالي في كثيرٍ من أوْجُهِهَا، وأحوال العالم في تقلباته وانقلاباته، ومختلف الاشتباكات التي تطفو على سطحه. وكنت، في الأشهر الأخيرة من العام الذي ينصرم، قد سقطت على الأرض مرتين، نتيجة عثراتٍ حصلت لي بفعل طبيعة الطرق التي كنت أمشي فوقها، وبفعل طريقتي في المشي، وهي طريقة لم تعد كما كانت في العقود التي انصرمت من عمري، فقد ترتَّب عن كل ما ذكرت، أي عدم استواء الطريق وعدم القدرة على السير كما تعوَّدْت، ترتَّب عن ذلك حصول العثرات المؤدية إلى السقوط.
وعندما تكرَّر السقوط وتضاعفت مواجعه، أدركت أنني مُطالَبٌ بضرورة التدريب على نمط
أفترض أن التمرين على المشي البطيء يتطلَّب صبراً كثيراً، إنه يقتضي اختراق العادة الحاصلة، أي التخلص من النمطية المعتادة في المشي، كما يتطلَّب، قبل ذلك، الانتباه وتركيزاً كثيراً. وفي مختلف هذه العمليات، نكون أمام تمرين ذهني، وآخر حركي، من دون أن يعني ذلك أننا سننجح، بالضرورة، في تحصيل الأمان. الأمر المؤكّد نتيجة للتمارين الجديدة في المشي يُجَنِّبُنا نسبة مُعَيَّنة من نِسَبِ العثرات المحتملة.
تأكّدت أن تجنُّب المشي المعثّر وتجنُّب السقوط أرضاً يتطلب صبراً وجهداً كثيرين. وقد بذلت جهداً كبيراً في الأشهر الأخيرة من السنة التي ودّعنا، لتدريب النفس على طريقةٍ جديدةٍ في المشي. إنني أستقبل اليوم تباشير السنة الجديدة، بخطىً وئيدة وتطلُّع إلى مشي من دون عثرات. وفي غمرة هذا المنجز البسيط، أتطلَّع إلى عالم بدون عنف، عالمٍ يستطيع تدبير صراعاته ومصالحه القديمة والجديدة بخطواتٍ في التدبير مختلفة عن الآليات التي جَرَّب في السنة الماضية، كما أتطلع إلى تشكيل أغلبيةٍ حكوميةٍ تُشْعِر المغاربة فعلاً أنهم في طور انتقالي يتطلَّب التمرُّس بآليات الديمقراطية وقواعدها. .. هل سيحصل هذا، وماذا سيكّلف عند حصوله؟