يواجه الاقتصاد السعودي، أكبر مٌصدر للنفط في العالم، مجموعة أزمات خلال العام المقبل، بينها عجز الموازنة البالغ أكثر من 52 مليار دولار، والنمو الاقتصادي الضعيف، والتضخم المرتفع، والبطالة المتزايدة، وضخامة الإنفاق العسكري في الموازنة. وقد خصصت الحكومة قرابة ثلث الموازنة للقطاعين العسكري والأمني، إضافة لفاتورة حرب اليمن المفتوحة وزيادة الدين العام، وتداعيات الاعتقالات الأخيرة لعدد من الوزراء والآمراء وكبار رجال الأعمال والتي خلقت قلقا وسط مجتمع الأعمال والمستثمرين.
ويقدر العجز المتوقع في الموازنة المقبلة بنحو 52 مليار دولار، حيث كشفت موازنة 2018، عن أن الإنفاق العسكري والأمني يلتهم ما يقرب من ثلث الموازنة بعد استحواذه على 83 مليار دولار، من إجمالي الموازنة المقدرة بنحو 261 مليار دولار.
ومن أبرز أزمات الاقتصاد السعودي في 2018، أيضا كيفية النجاح في تحقيق نمو اقتصادي بعد انكماش متوقع في العام 2017 تزامنا مع تراجع أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس في البلاد، مقارنة بمستويات 2014، إضافة إلى أن زيادة الرسوم على الشركات والعمالة الوافدة قد تترك أثرا على القطاع الخاص.
وكانت الحكومة السعودية، قد توقعت مؤخرا، نمو الاقتصاد المحلي بنسبة 2.7 بالمائة العام المقبل، مقارنة بمعدل نمو سالب (انكماش) يبلغ 0.5 بالمائة للعام الجاري، جراء انخفاض الإنتاج النفطي، وكان نمو الاقتصاد السعودي تباطأ إلى 1.7 بالمائة في 2016، مقارنة بـ3.5 بالمائة في 2015.
التضخم
من بين الأزمات الأخرى أمام الحكومة السعودية، كيفية التعامل مع معدلات تضخم مرتفعة بعد تسجيلها انكماشا العام الماضي، وحسب أرقام رسمية فقد ارتفع معدل أسعار المستهلك (التضخم) السنوي، في السعودية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعد 10 أشهر متتالية من الانكماش، وسجل صعوداً بنسبة 0.1%.
وأظهر تقرير "الرقم القياسي لتكلفة المعيشة"، الذي نشرته الهيئة العامة للإحصاء السعودية (حكومية)، على موقعها الإلكتروني، أمس الثلاثاء، أن الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة بلغ في نوفمبر/ تشرين الثاني 137.6 نقطة، مقارنة بـ137.5 نقطة في الشهر نفسه من العام الماضي 2016.
وحقق الرقم القياسي لتكاليف المعيشة (التضخم) نمواً سالبا حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بمتوسط 0.3 بالمائة على أساس سنوي، مقارنة بمتوسط نمو بلغ 3.8 بالمائة حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
وتوقعت الحكومة السعودية أن يرتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 5.7 بالمائة في 2018، مع تحسن النشاط الاقتصادي وتطبيق بعض التدابير الإيرادية وتصحيح أسعار الطاقة.
وبدأت السعودية في يوليو/ تموز الماضي، فرض ضريبة انتقائية على التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنسب بين 50% و100%، فيما تبدأ مطلع العام المقبل 2018 بتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على أغلب السلع والخدمات.
البطالة
وتعد معدلات البطالة المرتفعة بين السعوديين، أحد التحديات المستمرة أمام الحكومة السعودية، فيما طرأت معضلة جديدة وهي الإنفاق العسكري الضخم في الموازنة في ظل التطورات الجديدة في المنطقة.
وتوقعت وزارة الاقتصاد السعودية، تراجع معدل البطالة بين السعوديين إلى حوالي 12 بالمائة العام المقبل، مقابل 12.8 بالمائة في نهاية الربع الثاني من العام الجاري.
وفي حال مواصلة إصلاحات سوق العمل، فإن توقعات المملكة تشير إلى أن البطالة ستتراجع إلى 10.6 بالمائة في 2020، بينما تستهدف المملكة في رؤيتها المستقبلية 2030، خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 7 بالمائة.
ورفعت المملكة منذ ثلاثة أعوام، من وتيرة توطين العديد من القطاعات الاقتصادية، بهدف خفض نسب البطالة في صفوف المواطنين.
وتسعى الدولة عبر "التحول الوطني" إلى توفير 450 ألف وظيفة للسعوديين، وتوفير 1.2 مليون وظيفة للمواطنين بحلول 2020.
وتأتي هذا الإجراءات والخطط الحكومية، في ظل تصاعد معدل البطالة بين السعوديين، في نهاية الربع الثاني من 2017، إلى 12.8 بالمائة، مقارنة مع 12.7 بالمائة في الربع الأول السابق له.
وأعلنت السعودية، عن أضخم موازنة في تاريخها لعام 2018 بإجمالي نفقات تبلغ 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار)، بعجز 195 مليار ريال (52 مليار دولار)، وإيرادات قيمتها 783 مليار ريال (208.8 مليارات دولار).
إنفاق توسعي
وقال رئيس الأبحاث في شركة الراجحي المالية في السعودية (خاص)، مازن السديري، إن الإنفاق العسكري، تراجع 6 بالمائة مقارنة بعام 2017"، وخصصت الحكومة السعودية قرابة ثلث (31.8 بالمائة) موازنة العام 2018 للقطاعين العسكري والأمني، بقيمة 83 مليار دولار، واضاف السديري، أنه على الرغم من تراجع موازنة الأمن، "إلا أن رقم الإنفاق العسكري يبقى ضخما".
وتواصل السعودية قيادة دول التحالف في الحرب على اليمن ضد الحوثيين، منذ مارس/ آذار 2015، دون وجود تطور لافت أو أفق لنهايتها.
ورفعت السعودية من قيمة صكوك محلية مقرر إصدارها بقيمة كبيرة، في إطار تكثيف معدلات الاقتراض لمواجهة احتياجات الإنفاق المتزايد، ما أدى إلى تسجيل المملكة ديونا غير مسبوقة وصلت خلال العام الحالي إلى 116.8 مليار دولار.
وقفز الدين العام للمملكة بنسبة 38% خلال العام الجاري، إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316.5 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية العام الماضي، ويشكل الدين السعودي 17% من الناتج المحلي في 2017، فيما كان 13.1% في 2016.
ولم يكن الدين العام يتجاوز نحو 11.8 مليار دولار، في نهاية 2014، وفق وزارة المالية. وكان عبارة عن ديون محلية تعادل 1.6% من إجمالي الناتج المحلي للمملكة.
استقرار النفط
من جهته، قال الكاتب الاقتصادي، محمد العنقري، إن استقرار أسعار النفط سيكون عاملا مؤثرا في نجاح الحكومة السعودية لمواجهة التحديات، وأضاف العنقري في حديثه لـ"الأناضول"، أن اتفاقية خفض الإنتاج تساعد على تحقيق استقرار السوق، ما يدعم وضع الاقتصاد السعودي خلال 2018، في ظل توقعات للنفط بين 60 و63 دولارا للبرميل.
وبدأ الأعضاء في "أوبك" ومنتجون مستقلون بقيادة روسيا، مطلع 2017، خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا، لمدة 6 شهور، ثم تم التمديد حتى نهاية مارس/آذر 2018.
واتفقت منظمة الدول المصدرة للبترول في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على تمديد خفض إنتاج النفط 9 أشهر إضافية تنتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وسط خطوات تنفذها المنظمة ومنتجون مستقلون لخفض مخزونات النفط.
وحسب العنقري فإنه في حال ارتفع التضخم عن التوقعات الحكومية، سيتأثر السكان وإنفاقهم الاستهلاكي، وتكلفة المشروعات وجدواها، إلا أنه يرى أن الحكومة أخذت ذلك في الاعتبار.
توقعات النمو
وقال الكاتب الاقتصادي السعودي فضل البوعينين، إن الإنفاق الحكومي الضخم وخاصة الرأسمالي، سيدعم النمو الاقتصادي، وأضاف "إلا أن التوقعات متفائلة كثيرا.. من المتوقع نمو الاقتصاد ولكن بنسب أقل من 2.7 بالمائة المتوقعة من الحكومة.. كذلك التضخم سيؤثر سلبا على الإنفاق الاستهلاكي للسكان بسبب الضرائب والرسوم التى تعتزم الدولة فرضها".
وبدأت السعودية العام الماضي، تطبيق رسوم على العمال الأجانب ومرافقيهم، ترتفع تدريجيا حتى 2020، وتنوي الحكومة فرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 بالمائة على السلع والخدمات مطلع 2018، بعد تطبيق ضريبة السلع الانتقائية في 2017، واعتبارا من مطلع 2018، ستبدأ الحكومة تحصيل 300 - 400 ريال (80 - 106 دولارات)، شهريا، على كل عامل وافد في المملكة.
الدولار = 3.75 ريالات سعودية
(العربي الجديد، الأناضول)