ما حدث في إسطنبول ليس نهاية الأسطورة، أسطورة إسطنبول التي شكّلت بعضا من ملامح سرديّة انتصار حزب العدالة والتنمية، ولكنه بداية الصراع الملحمي القائمة أساسا على ثنائيّة البطولة والانكسار. قد تكون انعطافة النهاية الفاجعة، وقد تكون محنة الانتصار الدائم.
لم يكن الإسلاميون في تونس جزءاً من مؤسسات الدولة، ولا جهازها الإداري، بل كانوا جزءاً من اختبار سلطة الدولة، واحتكارها للعنف المؤسس على فرضية القانون، و"حماية" جسد الدولة التنظيمي والقانوني والإداري.
أعاد النظام السوري تجربة الجزائر بعيد الانقلاب على نتائج الانتخابات، وكانت التشكيلات "الجهاديّة" جزءاً من خبرته الطويلة في صناعة الإرهاب والإرهابيين مخابراتياً وعسكرياً ودعائياً.
لا تحتمل تونس عبر تاريخها الصراع الدموي، وحتما ستكون الحكمة والتعقّل أساس الحسم في كل الخلافات وسيبتكر العقل السياسي التونسي المبدع حلاّ مستلهما من التربة التونسية والوجدان التونسي والروح التونسية، المتشبعة بقيم الحريّة والكرامة.
كبح جماح الثورة المضادة في العودة، واستعادة مواقعها القديمة، لن يكون بتكرار الأخطاء نفسها التي ارتكبها السياسيون والنقابيون والحقوقيون المحسوبون على الثورة، فلكل نصيب في خيانة الثورة والإيقاع بالثائرين.
ملفّ التسفير في تونس هو الشجرة التي تخفي غابة الأسرار التي أحكمت دوائر المخابرات العالمية نسجها، وأتقنت صناعتها لتخريب الثورات وتهميش إرادة الشعوب وتحويل مسارات الانتقال الحضاري الكبير الذي بدأ مع الثورة التونسيّة إلى ركام من الخوف والجوع والقتل
في الملف السوري، اختلفت المقاومة السنيّة عن المقاومة الشيعيّة، واختارت حماس الفلسطينيّة الوقوف مع الشعب الثائر، واختار حزب الله الوقوف مع النظام القاتل، ثمّ دفعه الهوس المذهبي إلى القتال في كلّ موضع فيه طائفة شيعيّة، فناصر الحوثيين وحارب في العراق.
على الحكومة التركيّة وأردوغان حسن السير في حقل الألغام، وعليهم تقوية العوامل التي ساهمت بإفشال الانقلاب، ومنها تحويل المعارضة التي عبّرت، وبلا تردّد عن تحيّزها للخيار الشعبي بالانتقال من خطاب الخصومة السياسيّة إلى خطاب المشاركة الفعليّة في خيارات الحكم والسياسة.
حركة النهضة الآن بلا روح أو فكرة أو مشروع، وعمليّة "المحو الصّاخب" الذي مارسه قادتها في افتتاح المؤتمر العاشر هي الفصل بين روح حيّة تحيا في وجدان النّاس وجسد سيبلى ويفنى كما بلى من قبله من أحزاب.
كان التاريخ التونسي الحديث تاريخ بورقيبة ودولته، ولم يكن يوما تاريخ الشعب التونسي، وعلى هامش ما سمح بورقيبة بكتابته تلوح خطوط باهتة من تاريخ منسيّ صنع عناصر الصّراع بين دولة بورقيبة ومؤسّساتها والخارجين عن سلطتها.