أين ما كتبه علي الوردي؟
انتهيت اليوم من قراءة ملحق الجزء السادس من سلسلة وموسوعة "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" للدكتور وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي، وهو المجلّد الأخير من هذه الموسوعة وخاتمتها.
يمثّل هذا الجزء وثيقة تاريخية مهمّة لمنطقة الخليج العربي والعراق والشام، إذ تطرّق لذكر أحداث وقعت في بداية القرن العشرين، وكان لها الأثر الأكبر في تشكيل واقع هذه المنطقة الجغرافية وما هي عليه اليوم.
جرى تخصيص هذا الجزء لبحث موضوع الأشراف (أشراف مكة) أو العائلة الهاشمية التي كانت تحكم منطقة الحجاز، حيث بحث الدكتور تاريخ هذه العائلة، ومرّ بذكر أبرز شخصياتها ممّن حكموا الحجاز، وعرض صفاتهم ومواضع قوتهم وضعفهم، وأخيراً ذكر الصراع الذي حدث بينهم وبين ابن سعود (عبد العزيز، مؤسّس الدولة السعودية الحديثة)، الذي انتهى بسيطرة ابن سعود على الحجاز وضمها إلى نجد وتأسيس المملكة العربية السعودية، وما رافق هذا الحدث التاريخي من تقلبات وأحداث وصراعات وشخصيات كان لها تأثير كبير على منطقة الخليج العربي بصورة خاصة وعلى الواقع العربي والإسلامي بصورة عامة.
وذكر الوردي أيضاً المشكلات التي رافقت ابن سعود بعد سيطرته على الحجاز، وأهم تلك المشاكل المجموعة الدينية الذين يتبعون محمد عبد الوهاب (الوهابية)، وهم مجموعة سلفية متشدّدة اعتمد عليهم ابن سعود كثيراً في معاركه، وكان لهم المساهمة العظمى في فتح الحجاز والسيطرة عليها، ولكنهم بعد ذلك أصبحوا عبئاً على ابن سعود. وهذا الملحق كان أفضل خاتمة لهذه الموسوعة العظيمة، التي عدّها الدكتور الوردي في مناسبات عديدة "مشروع العمر".
منعت السلطة البعثية الدكتور علي الوردي من مواصلة الكتابة والنشر في عام ١٩٧٩. وهذه المعلومة أكدها الكثير ممن عايشوا الدكتور الوردي وجايلوه
وعطفاً على "مشروع العمر" للدكتور الوردي هنالك معلومات قد يجهلها الكثير من قرّاء ومحبي الدكتور الوردي، وهي أنّه لم يرد لهذه الموسوعة أن تتوقف على ما توقفت عليه، وكان قد عزم على تأليف ونشر الأجزاء تباعاً، ولكن السلطة البعثية منعته آنذاك من مواصلة الكتابة والنشر في عام 1979. وهذه المعلومة أكدها الكثير ممن عايشوا الدكتور الوردي وجايلوه، وكتبوا بعضاً من سيرته، مثل سلام الشماع في كتابه "من وحي الثمانين" ومحمد عيسى الخاقاني في كتابه "مئة عام مع الوردي" وغيرهم. ولك أن تتخيّل عزيزي القارئ أنّه مُنِع من التأليف والنشر في عام 1979 وتوفي في سنة 1995، أي مرّ ما يقرب من الستة عشر عاماً والوردي متوقف عن النشر، ولكنه لم يكف عن البحث والتأليف والكتابة (من دون أن ينشر ما يكتبه)، خصوصاً أنّه كان مهتماً بمواصلة الكتابة في موسوعته "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"، وأيضاً سيرته الذاتية التي كان يريد لها أن تكون تحت عنوان "سينما بغداد"، ويبقى السؤال: هل كتب الوردي في هذه المدة شيئاً ما؟
الجواب من وجهة نظري أنّه لم يترك هذه الفترة الزمنية من غير أن يكتب شيئاً ما، وربّما أكمل ما يريد كتابته من الموسوعة، أو كتب سيرته الذاتية (سينما بغداد).
وهنا يبرز سؤال آخر: إذا كان هناك ما كتبه، فأين هو؟