إنفلونزا الطيور تضرب في سورية الأسد
رزق الله شاب سوري من أسرة ممانعة ذات حس وطني عالٍ، بنى نفسه بنفسه، ولم يتدخل والده أمين فرع حزب البعث به مطلقاً. في المرحلة الثانوية، درس رزق بجدٍ لامتحان الشهادة الثانوية، ذاكر جيداً في كل المقاصف والملاهي الموجودة في المدينة، وفي الامتحان نقل بصعوبة بالغة من الكتاب الملقوح أمامه إلى ورقة الامتحان!
نجح رزق، وبتفوُّقٍ، واختار له والده الهندسة الزراعية ليكمِل فيها تحصيله العلمي. إذ لا بد من مهندس زراعي في العائلة ليشرف على أراضي العائلة التي أخذت تتوسَّع عاماً بعد آخر، منذ أصبح والد رزق قيادياً في الحزب، وأخوه الكبير ضابطاً في المخابرات.
في جامعة دمشق، تابع رزق سيرته الأولى في المذاكرة والتحصيل العلمي، كان أمامه في دمشق خيارات أوسع، عدد كبير من المطاعم والمقاصف والملاهي الليلية. وعدد أكبر من الفتيات اللواتي كنّ بحاجة للمساعدة من والده، أو لخدمة صغيرة من أخيه. ورزق النشمي ما كان يرد طالباً. خدم الجميع، حتّى أساتذته في الجامعة. وهم أيضاً ما كانوا يبخلون عليه بالنجاح، بشرط واحد بسيط هو حضور الامتحان!
سريعاً مرت سنوات الجامعة، وتخرَّج رزق مهندساً زراعياً بتقدير جيد جداً. وتم تعيينه كمرحلة أولى مديراً لقسم الوقاية في مديرية الزراعة في المدينة حيث يعمل والده. كان المنصب دون إمكانياته، ولكن أخاه أقنعه أن المنصب مُؤقّت، ريثما يسخنُ الكرسيُّ تحته، فيصبح مديراً للمديرية كلها.
ذات صباح ربيعي كان رزق الله على موعد مصيري سيغير مستقبل العائلة كلها. إذ اقتحمت أم حسيب مكتبه وشرحت له مأساتها؛ دجاجات الجيران تغير على مسكبتها التي زرعت فيها الفول والنعناع والبقدونس، وحلم عمرها أن تأكل شيئاً من هذه المسكبة قبل الدجاجات. ثم قالت له: يرضى عليك يا ابني، ما عندكم سم يريحني من هذه الدجاجات؟
هز رزق رأسه بحكمة، وانطلق مع أم حسيب إلى المستودع، وهناك زودها بكيس صغير من سم فتاك لفأر الحقل. حاول مدير المستودع تنبيه رزق إلى خطورة استخدامه في المناطق المأهولة، ولكن رزق حسم الأمر بقوله: أنت المهندس أم أنا؟
سكت الرجل وهو يعلم أن المهندس قادر على تغييبه وراء الشمس.
كانت أم حسيب كريمة بوضع السم حول مسكبتها، ومساكب جيرانها. ولم تمض ساعات قليلة حتى كانت معظم دجاجات الحي جثثاً هامدة. حادث أقضّ مضجع رئيس المخفر الذي سارع بإخبار الجهات المعنية "وهي جهات أمنية تدس أنفها بكل صغيرة وكبيرة، ومعنية بكل شيء في سورية الأسد" أن إنفلونزا الطيور انتشرت في القرية وقتلت كل الدجاج!
كانت إنفلونزا الطيور في تلك الأيام هاجساً مرعباً لدول المنطقة كلها، وفي سابقة خطيرة، مرت نصف ساعة فقط، قبل أن يطوق رتل من السيارات الأمنية السوداء قرية أم حسيب. تم تحويل القرية إلى معتقل كبير ضم الجميع بمن فيهم رئيس المخفر. وحضر رجال بلباس بلاستيكي أبيض مزود بغطاء للرأس حملوا الدجاج النافق، ووضعوه في أكياس خاصة. ثم قتلوا كل الدجاج الذي نجا من مجزرة أم حسيب.
سرت الأخبار بسرعة؛ إنفلونزا الطيور تضرب المدينة، وتقتلُ عدداً كبيراً من الدجاج، وسرعان ما تطوَّرت الأخبار لتحصد الإنفلونزا ثلاثة أطفال، لا أحد يعلم أين أصيبوا ولا كيف ولا متى ماتوا؟!
اختفى الفروج من المدينة، وتوقّفت المدارس عن العمل. واستمرَّ حصار القرية. واستمرَّ الرجال البيض بزيارتها، وأخذ عينات منها.
بعد أيام قليلة، صدرت الأوامر العليا! تم استبدال المحافظ المتسيّب الذي سمح للإنفلونزا بالانتشار، وتبعه والد رزق، أمين فرع الحزب. ثم تم استبدال معظم ضباط المخابرات في المدينة، ومنهم أخو رزق الذي نقل إلى أحد الأفرع الأمنية في العاصمة ليصبح ضابطاً صغيراً، بعدما كان سيداً مطاعاً.
وعندما فشلت الأبحاث والدراسات الأمنية في العثور على أثر للإنفلونزا تم فك الحصار عن القرية واختفى الرجال البيض.
بعد ذلك بعدة أسابيع زارت أم حسيب المديرية مرة أخرى، وصافحت رزق الله بحرارة، فالسم الذي أعطاها إياه كان فعالاً جداً وأراحها من الدجاج بشكل نهائي. وقد جاءت إليه اليوم لتطلب منه تزويدها بكمية جديدة لإحدى قريباتها في قرية مجاورة، بعدما حدثتها عن ذكائه ونجاعة أدويته!