اجتياح رفح... من أجل ماذا؟
أحمد الصباهي
مَثّل ردُّ حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بالموافقة على الاتفاق (القطري، المصري، الأميركي)، صاعقةً على بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته من اليمين المتطرّف. فقد بدا واضحاً للجميع، أنّ الجانب الإسرائيلي قد فوجئ بهذا الرد، وهو الذي راهن على رفضِ المقاومة، لإطالةِ أمد العدوان. وما جرى أنّ نتنياهو وقع في فخِ الفضيحة المعلنة أمام العالم، عبر استمراره في لعبةِ التذاكي المعرقلة لأيّ اتفاق مع المقاومة، وإضاعةِ جهودِ الوسطاء، تحقيقاً لمصالحه الشخصية، في ظلِّ عدم قدرته بعد أشهر سبعة متوالية من العدوان، من تحقيق أيّ إنجازٍ على صعيدِ الأهداف المعلنة من قبله شخصياً، وهي القضاء على المقاومة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
كان لا بدّ لنتنياهو من الهروبِ إلى الأمام، عبر اجتياح رفح، حفاظاً على ائتلافه الحكومي في ظلِّ التهديدات المستمرة من شركائه المتطرّفين بفرطِ عقدها، لإطالةِ أمد عمره السياسي، وربّما أملاً بشراءِ الوقت لوصولِ ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية.
وللعب على المشهدِ الدولي المعارض لاجتياح رفح، تمّ الإعلان من الجانبِ الإسرائيلي عن "عملية محدودة"، تحت ذريعةِ قطعِ الإمدادِ المالي والعسكري للمقاومة، مراعياً التهديد الأميركي المشكوك فيه بقطعِ الإمدادات العسكرية، بعد تعليق إحدى الشحنات العسكرية في حال إجراءِ عمليةٍ موسّعةٍ، لكن من اللافت أيضاً أنّ المسؤول في البيت الأبيض، جون كيربي، قد صرّح بأن إسرائيل تحصل على كلّ متطلباتها العسكرية، وإن كانت واشنطن تعارض عملية موسّعة في رفح!
وقد حظي موضوع تعليق الإمداد العسكري الأميركي للكيان جدلاً واسعاً في الساحة السياسية، والإعلامية الإسرائيلية، لكن ما يثير التندّر والضحك، هو ما نشره بن غفير، عبر حسابه على وسائل التواصل عن محبّة حركة حماس للرئيس الأميركي جو بايدن، بعد الإعلان عن تعليقِ الإمداد، بل وذهب آخرون في الصحافة الإسرائيلية حدّ اتهام بايدن وتحميله مسؤولية فشل صفقة التفاهم، لأنّ تعليق الإمداد يصبّ في مصلحةِ المقاومة الفلسطينية، التي ستتصلّب في قرارها، بما يُضعف نتنياهو.
وعليه، يمثلُ اجتياح رفح طوق النجاة الأخير للاحتلال الإسرائيلي بعد فشله الذريع في الوصولِ إلى قادةِ المقاومة أو تحرير الأسرى، بعد مدّةٍ طويلةٍ من عدوان غير مسبوق، فلم يتركوا حجراً إلّا وقلبوه، ولا نفقاً إلّا واقتحموه، بحثاً عن وهمِ إيجادِ الإسرى... كما لم يتوانوا عن استخدام سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر الدولي في أكثر من عمليةٍ لدى وصولهم لمعلومةٍ عن أسير، فتمّ كشف أمرهم، وفشلت العملية، وانتهى الأمر بخسائر جديدة وقتل الأسير ممن أتوا ليحرّروه.
يمثلُ اجتياح رفح طوق النجاة الأخير للاحتلال الإسرائيلي بعد فشله الذريع في الوصولِ إلى قادةِ المقاومة أو تحرير الأسرى
ويوماً بعد آخر، تُسجّل المقاومة نجاحاً في قدرتها على إخفاء الأسرى طوال سبعة شهور كاملة، وتُوّجه ضربةَ للجهودِ الفاشلة الاستخبارية والعسكرية، وللدعاية الموهومة السياسية والإعلامية لتحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوّة. ويأتي ما نشرته كتائب القسّام منذ فترةٍ وجيزة، عن موتِ أسيرٍ إسرائيلي لديها بفعل نقصِ الإمدادات الطبيّة وتعنّت نتيناهو، مقابل خروج والدته بصفقةِ تبادل، ليدلّل على استمرارِ هذا النجاح، بما يعمّق من فشلِ أزمة نتنياهو وفريقه، ويعرّيه أمام أهالي الأسرى.
ويبقى موضوع التهجير هدف الاحتلال العميق، وهو من صلب التفكير الصهيوني التاريخي تجاه أصحاب الأرض الأصليين، ماثلاً في ظلِّ هذا العدوان، فما يثيره الميناء الأميركي العائم من تساؤلات حول تنفيذ تهجير من رفح إلى البحر، ومنه الى ذلك الميناء، يبقى محلّ حذرٍ وشكٍّ في المسعى الأميركي لمساعدة الاحتلال في تنفيذ هكذا مخطّط.
ويبقى صمود الشعب الفلسطيني العلامة الأبرز في إحباطِ تكرارِ المشهد التاريخي عام 1948، فالبرغم من الفظائع التي ارتبكها الاحتلال في شمال قطاع غزّة، من مجازر وتجويع، إلّا أنّ جزءاً مهماً من أهالي الشمال رفض الخروج، ودفعوا أثماناً غالية لهذا الموقف التاريخي، وفضحوا ممارسات الاحتلال. ويبدو أنّ مشهد رفض التهجير، نفسه سيتكرّر من جديد.
يعلن نتنياهو مراراً وتكراراً أنّه لن يقبل بالضغوط الدولية، وسيدخل رفح، للقضاء على المقاومة، لكنه يعرف تماماً أنّها لن تكون نزهة، وسيدفع من جديد ثمناً لهذه الحماقة من دماءِ جيشه، وما تنشره سرايا القدس وكتائب القسّام عن إنجازاتٍ عسكرية، يشير بوضوح إلى أنّ رفح ستكون نسخة مكرّرة من قتالٍ شرسٍ، وعنيفٍ، وربّما ما أعدته المقاومة في رفح من مفاجآت سيذهل العدو، مجدّداً، كما حصل في السابق.
لكن السؤال الكبير: ماذا لو لم يصل نتنياهو إلى أيّ أسير أو قائد فلسطيني، وماذا لو استمرّ القتال في غزّة في كلّ مكانٍ، كما يجري حالياً، ما هو الإنجاز، وما الذي سيسوّقه للشارع الإسرائيلي؟
الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل، والميدان هو سيّد الموقف، فمن يصمد ويقاوم هو الذي سينتزع الانتصار. وفي حال فشل نتنياهو، ستكون ضربةً قاصمةً له ولفريقه، وسيجد نفسه في مشكلةٍ أعمق مع أهالي الأسرى، وسيدفع الليكود والأحزاب الدينية اليمينية المتطرّفة الثمن السياسي. أمّا نتنياهو شخصياً، فسيفتح الباب على مصراعيه حول مستقبله السياسي كرئيس للحكومة، وربّما يجد نفسه مرغماً للرضوخ لمطالبِ إجراء انتخابات مبكرة، وما ينتظره من محاكمات في المحاكم الإسرائيلية، وربما الدولية، ليس بأقل كلفة، فإلى أين المفرّ؟