الانتخابات الأميركية وتداعياتها
تشهد المنطقة مرحلة دقيقة مليئة بالتحدّيات الجديدة، حيث يستمرّ العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة، وتتصاعد التوتّرات مع "حزب الله" إلى مستويات غير مسبوقة، ما يعكس مخاوف متزايدة من احتمال توسّع رقعة الحرب، وما لذلك من تداعيات كارثيّة على لبنان، الذي يعاني من أزمات سياسيّة واقتصاديّة خانقة.
في ظلّ هذه الأوضاع المعقّدة، يبدو أنّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، يستفيد من الدعم الأميركي المتزايد لتعزيز موقفه على الساحة الدوليّة. وتشير التوقّعات إلى أنّ المفاوضات للتوصّل إلى تسوية في غزّة لن تشهد تقدّمًا ملحوظًا قبل خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي في 24 من الشهر الحالي. ومن المتوقع أن يشدّد نتنياهو في خطابه على ضرورة حصول إسرائيل على مزيد من الأسلحة لاستمرار عمليّتها العسكريّة في رفح، رغم التحذيرات الغربيّة والأميركية.
كما أنّ الانتخابات الأميركية المرتقبة تضيف بعدًا آخر للتعقيدات الحاليّة، إذ سيكون لها دور محوريّ في تحديد ملامح المرحلة المقبلة، سواء من ناحية طبيعة الصراع ومدّته أو من ناحية فرص التوصّل إلى "اتّفاق سلام".
على الرغم من الضغوط والحروب المستمرّة، تظلّ قدرة الشعب الفلسطينيّ على الصمود عنصرًا حاسمًا في هذه المعادلة. وتشير مصادر متابعة إلى أنّ المقاومة، بدعم من جهات إقليميّة، تستمرّ في تصنيع وتطوير إمكاناتها رغم الظروف الصعبة، ما يعزّز من قدرتها على مواجهة العدوان الإسرائيلي.
نتنياهو الذي فشل في تحقيق أهدافه الاستراتيجيّة، مثل القضاء على حركة "حماس" واستعادة المحتجزين، يجد نفسه محاصرًا في مستنقع غزّة. وعلى الرغم من الاحتلال الإسرائيليّ لغالبيّة القطاع، فإنّ الجيش الإسرائيليّ لم يتمكّن من فرض سيطرته دون مواجهة مقاومة شرسة وغير تقليديّة.
المقاومة، بدعم من جهات إقليميّة، تستمرّ في تصنيع وتطوير إمكانيّاتها رغم الظروف الصعبة، ممّا يعزّز من قدرتها على مواجهة العدوان الإسرائيليّ
هذه الحرب الطويلة، والأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل، تفرض على نتنياهو استمرار القتال لضمان بقائه السياسيّ والشعبيّ، خصوصًا في ظلّ التهديدات القضائيّة التي تلاحقه. ومع تصاعد الضغط الداخليّ والخارجيّ، يتّضح أنّ نتنياهو لن يتراجع إلّا بحدوث حدث عسكريّ كبير يقلب الرأي العامّ الإسرائيليّ ضدّه.
من ناحية أخرى، يعوّل نتنياهو على عامل الزمن، حتّى وصول ترامب إلى البيت الأبيض لفرض وقائع جديدة على الأرض، وربّما القيام بمغامرات عسكريّة جديدة. هنا، تُثار التساؤلات عن إمكانيّة تورّط الولايات المتّحدة في حرب كبرى نتيجة لسياسات نتنياهو.
في سياق متّصل، يبقى التساؤل عن هويّة من سيحكم غزّة بعد الحرب محطّ اهتمام كبير. أوساط المقاومة تؤكّد باستمرار رفضها لأيّ وجود لقوّات غير فلسطينيّة في القطاع، مع السعي لتحقيق وحدة الموقف الفلسطينيّ. ورغم محاولات "حماس" لتعزيز دور روسيا وتركيا في التسوية، فإنّ حركة "فتح" تبدو مترددّة نظرًا للتجارب السابقة وعمق الخلافات.
أمّا في لبنان، فتبقى الأوضاع الأمنيّة هشّة، مع احتماليّة التلاعب الإسرائيليّ بالمخيّمات الفلسطينيّة. غير أنّ الفصائل والقيادات الأمنيّة اللبنانيّة تدرك هذه المخاطر، وتسعى لاحتوائها لمنع زعزعة الاستقرار الداخليّ. والإدارة الأميركية لا تزال تعوّل على جهود موفدها عاموس هوكشتاين، وعلى نجاح مفاوضات الهدنة في غزّة لمنع إسرائيل من توسيع الحرب إلى لبنان. ويبدو أنّ نتنياهو سيسمع نصائح مهمّة في واشنطن مفادها أنّ أميركا لا تستطيع مساعدته إلا بتقديم الأسلحة، وأنّ الجيش الإسرائيليّ ليس بإمكانه فتح جبهة جديدة، إذ إنّ أيّ حرب مع لبنان ستشعل المنطقة برمّتها.
في المجمل، يبدو أنّ المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، وفترة من التوتّرات والتحدّيات الكبيرة، تتطلّب صمودًا ومقاومة مستمرّة لمواجهة السياسات العدوانيّة الإسرائيليّة.