هل تعيد إسرائيل صياغة استراتيجيتها العسكرية؟
تشهد إسرائيل سلسلةً من النَّكَسات في حربها المستمرَّة على غزَّة منذ عدَّة أشهر. ومن أبرز هذه الانتكاسات القرار التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، والذي وصف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ 1967 بأنَّه غير شرعي وغير قانوني، وأكَّد حقَّ الفلسطينيين في تقرير المصير، وضرورة إخلاء المستوطنات، واتَّهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
تجدر الإشارة إلى أنَّ المحكمة قالت: "إنَّ 57 عامًا من الوجود العسكري المتواصل والموسَّع، والاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، والعديد من إعلانات النيات ورفض إقامة دولة فلسطينية أو الإعلان عن نيَّة الضمِّ، لا تشير إلى الطابع المؤقَّت"، خصوصاً أنَّ محكمة العدل الدولية نفسها أصدرت قرارًا عام 2004، مفاده أنَّ "السياج الأمني" كان بمثابة ضمٍّ فعلي للمناطق الواقعة غرب الجدار بجوار حدود عام 1967.
في هذا السياق، رأت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنَّ "الرأي الاستشاري الذي قدَّمته محكمة العدل الدولية، قوَّض الحجج الأساسية التي تسوقها إسرائيل لاحتلالها طويل الأمد للضفة الغربية وقطاع غزة، وسلَّح البلدان والمؤسَّسات والشركات بشكل أساسي بمبرِّر قوي لمعاقبة إسرائيل، مؤكِّدة أنَّ تجاهله لا ينبغي أن يكون خيار إسرائيل".
ردود الفعل الفلسطينية والعربية على قرار المحكمة كانت إيجابية، حيث اعتبرته الرئاسة الفلسطينية انتصارًا للعدالة، ودعت المجتمع الدولي إلى اتِّخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة إسرائيل. من جهته، ردَّ رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بانتقاد شديد للقرار، مدَّعيًا أنَّه يشوِّه الحقائق التاريخية. كذلك علَّق وزير الأمن القومي المتطرِّف إيتمار بن غفير بالقول: "قرار لاهاي يثبت للمرَّة الألف أنَّ هذه منظَّمة سياسية ومعادية للسامية بشكل واضح. لن نقبل منهم وعظًا أخلاقيًّا، فقد حان وقت الحكم والسيادة".
لطالما اعتبرت إسرائيل أنَّ استراتيجيتها العسكرية القائمة على تنفيذ ضربات سريعة في الأراضي العربية تضمن لها التفوُّق والردع دون الحاجة لخوض حروب طويلة الأمد. هذه الاستراتيجية، التي برزت منذ نكبة 1948 وتوسَّعت في نكسة 1967، مكَّنتها من شنِّ حملات عسكرية على لبنان وغزة، فيما استمرَّت في قمع الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية بدعم أميركي وغربي صريح يتجاهل انتهاكاتها المستمرَّة لأبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي.
لطالما اعتبرت إسرائيل أنَّ استراتيجيتها العسكرية القائمة على تنفيذ ضربات سريعة في الأراضي العربية تضمن لها التفوُّق والردع دون الحاجة لخوض حروب طويلة الأمد
عملية "طوفان الأقصى" كانت بمثابة نقطة تحوُّل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كشفت عن مواطن الضعف في الجيش الإسرائيلي، حيث أكَّدت أنَّ الادِّعاء بوجود "جيش لا يُقهر" محض وهم، وأنَّ هذا الجيش يمكن أن يتعرَّض للهزيمة في مواجهات غير تقليدية مع تنظيمات مسلَّحة، رغم قدراتها المحدودة. وفي ظلِّ توسُّع المواجهات، برزت جبهات جديدة مثل اليمن، حيث استطاع الحوثيون تنفيذ هجوم بطائرة مسيَّرة على تل أبيب، ما أظهر قصور أنظمة الدفاع الإسرائيلية وأثار قلقًا واسعًا داخل إسرائيل. هذه التطوُّرات تعكس تراجع قوَّة الردع الإسرائيلية، وتؤكِّد أنَّ التحدِّيات الأمنية باتت أكثر تعقيدًا وتنوُّعًا.
أمام هذه التحدِّيات المتزايدة، تجد إسرائيل نفسها مضطرَّة إلى إعادة تقييم سياساتها، والضغوط الدولية والمقاومة المستمرَّة من مختلف الجبهات قد تفرض على إسرائيل إعادة صياغة استراتيجيتها السياسية والعسكرية.