البوعزيزي ينبعث من رماده في المغرب
استفاق الرأي العام المغربي، صباح يوم السبت الماضي، على فاجعة وفاة الشاب ياسين الخميدي (26 سنة)، الذي أضرم النار في جسده احتجاجًا على مصادرة سلطات بإقليم سيدي بنّور عربته المجرورة التي كانت مصدر رزقه الوحيد.
أثناء عملية حجز العربة، تعرّض الخميدي إلى التعنيف اللفظي والجسدي من لدن السلطات المحلية، وهو الأمر الذي أوقد غضبه ودفعه إلى سكب البنزين على كافة أطراف جسده، في محاولة للفت انتباه السلطات التي تجاهلت خطورة الفعل وواجهته بدمّ بارد، ما أدّى به في النهاية إلى إضرام النار في جسمه.
وقد ندّدت أغلب الفعاليات الحقوقية بالمظلمة التي تعرّض لها الخميدي، فيما استشاط الغضب الشعبي في مدينة سيدي بنّور، التي شهدت احتجاجات عفوية شارك فيها المئات على خلفية هذه المأساة، التي أعادت إلى الأذهان واقعة حرق محمّد البوعزيزي نفسه احتجاجًا على المعاملة اللاإنسانية التي لقيها من لدن عناصر الأمن الذين صادروا عربته المتنقلة، وهو الحدث الذي أطلق شرارة الربيع العربي في تونس وباقي دول المنطقة.
وقد أعلنت عائلة ياسين الخميدي أنّ الأخير كان ضحية للتقصير الطبي، إذ "تأخر إسعافه بسبب نقله من مستشفى إلى آخر بعد نقص التجهيزات بكل من مستشفى سيدي بنور ومستشفى الجديدة، ليستقر أخيرًا في مستشفى بالدار البيضاء حيث وافته المنية"، وفق ما نقله موقع "بديل" الإخباري.
تتشابه إذن الأسباب والعوامل التي دفعت كلّ من الخميدي والبوعزيزي إلى الإقدام على التضحية بأجسادهما حرقًا للتعبير عن رفضهما للظلم واللامساواة والإذعان لقهر السلطات
لقد عانى ياسين الخميدي الأمرّين أثناء حياته الشاقة والقاسية بفعل المهن المتعددة التي زاولها ليعيل أسرته، وخلال موته الذي جاء بعد الألم الفظيع الناتج عن الحروق البليغة التي أصيب بها، والتي لا يمكن للفرد تحمّل وجعها أو حتى تخيّله.
والخميدي ليس المغربي الوحيد الذي ارتمى في لهيب النار احتجاجًا على الظلم والتعسّف وقلّة الحيلة وانسداد الأفق، ففي أغسطس/ آب 2011، أضرم الشاب حميد الكنوني (27 سنة) النار في بدنه أمام مخفر للشرطة بمدينة بركان احتجاجًا على طرده من العمل والمعاملة السيئة التي لقيها من طرف الشرطة. والأمر نفسه تكرّر لدى شاب في مدينة تازة أشعل النار هو كذلك في جسده في مارس/ آذار 2016 بعد أن صادرت السلطات المحلية عربته.
ولا يزال المغاربة يتذكرّون محسن فكري (31 سنة)، الشاب الذي مات مطحونًا في شاحنة أزبال برفقة بضاعته التي أتلفتها سلطات مدينة الحسمية، إذ قام ممثل السلطة المسؤول عن عملية الإتلاف بإعطاء أمر تشغيل آلة الطحن، على الرغم من وجود فكري داخل الشاحنة، وهو ما نتج عنه غضب شعبي واسع مهّد إلى اندلاع حراك الريف الذي استمر مدة ستة أشهر، قبل أن يتم قمعه واعتقال مئات المواطنين الفاعلين فيه، إذ تمّ الحُكم على أغلب قادته بالسجن النافذ (ما بين 5 و20 سنة).
إنّ قلّة فرص الشغل وشبه انعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية وتفشّي الفساد السياسي والريع الاقتصادي وقمع حريّة الرأي، كلّها عوامل تؤدّي ربما بجزء يسير من الشباب المغربي إلى البحث عن مستقبل خارج المغرب، إذ أظهرت مجموعة من استطلاعات الرأي، وآخرها الاستطلاع الذي قام به موقع Rekrute.com المتخصص في التوظيف، أنّ 91 في المئة من المغاربة مستعدون لمغادرة المغرب والاستقرار في خارجه من أجل العمل.
تتشابه إذاً الأسباب والعوامل التي دفعت كلّ من الخميدي والبوعزيزي إلى الإقدام على التضحية بجسديهما حرقًا للتعبير عن رفضهما الظلم واللامساواة والإذعان لقهر السلطات، التي اعتادت على معاملة المواطنين بنوع من الاستعلاء والاحتقار، وذلك يعود بالأساس إلى البنية التسلطية التي تقوم عليها أنظمة الاستبداد التي عاشوا في كنفها، والتي تستهين بكرامة الأفراد، وتعبث بحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية.