بنسعيد آيت إيدر: من مقاومة الاستعمار إلى مناهضة الاستبداد (2/1)
يُسلّط الزعيم الوطني واليساري المغربي محمد بنسعيد آيت إيدر، البالغ من العمر 96 سنة، الضوء على وقائع سياسية وأحداث اجتماعية طبعت تاريخ المغرب المعاصر، في مذكراته المعنونة بـ "هكذا تكلّم بنسعيد".
تتوافر حياة بنسعيد آيت إيدر على خيط ناظم، وهو مقاومة الاستعمار ومناهضة الاستبداد، إذ كرّس معظم وقته في الكفاح ضد المستعمر الفرنسي والإسباني، ثمّ النضال ضد البنية التسلطية التي اتسم بها النظام المغربي طوال العقود التي تلت استقلال البلاد.
وُلد بنسعيد في الأوّل من يوليو/تموز 1925 بقرية تامنصورت الواقعة بإقليم أشتوكة آيت باها (جنوب غرب المغرب) لعائلة ميسورة، وتلقّى تعليمه الثانوي بمراكش على يد الفقيه المختار السوسي، الذي كان قد أنشأ مدرسة حرة تعتمد مقرراتها على اللغة العربية، بخلاف ما كان سائداً.
شارك بنسعيد آيت إيدر في العمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، إذ أشرف على تكوين عدة مجموعات مسلحة على امتداد مناطق المغرب
تشبّع آيت إيدر بالفكر الوطني في فترة مبكرة من حياته، وانخرط رسميًا في شبيبة حزب الاستقلال (القسم الطلابي) في عام 1948، حيث تأثر بالزعيم التاريخي لليسار المغربي المهدي بن بركة الذي كان يساهم رفقة عبد الله إبراهيم في نشر الفكر التقدمي واليساري وسط شباب الحزب المكوّن آنذاك من توجّهات فكرية وأيديولوجية مختلفة ومتضاربة (في عام 1959 انشق الاتجاه اليساري الذي كان يقوده بن بركة وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد عن حزب الاستقلال وأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المعارض لسياسات القصر).
لم يكن آيت إيدر مستهدفًا من لدن سلطات الحماية في بداية نشاطه الطلابي، على الرغم من دوره البارز فيما يخص توحيد الأنشطة الطلابية المناهضة للاستعمار على مستوى القُطر المغربي، إذ كان يَنشط ضمن ما يسمّى بـ"القيادات الخلفية/ السرية". ففي عام 1951 ساهم بنسعيد وبفعالية في تنظيم احتجاجات طلابية حاشدة بمدينة مراكش تضامنًا مع طلبة جامعة القرويين بفاس الذين تعرضوا للقمع، لكنّ ولحسن الحظ، لم تتعرّف عليه سلطات المدينة التي كانت تلجأ إلى تعذيب الطلبة بوسائل تقليدية ومرعبة، كجلدهم مائتي جلدة، أو فرك الفلفل الحار على أفواههم وجروحهم، كما يروي آيت إيدر في الفصل الرابع من مذكراته.
لَمَعَ نجم آيت إيدر مع توالي الاحتجاجات الطلابية التي ساهم في تنظيمها والدعاية لها، فاعتقلته سلطات الحماية الفرنسية في آذار/ مارس 1952 وتمّ نفيه إلى قرية تامنصورت التي يتحدّر منها. يصف آيت إيدر ظروف ترحيله القسري بالقول: "لقد كلفوا بي مخزني قادني – راكبًا وهو على دابة وأنا مترجل على قدمي – عبر أمزميز وجبل زاقو وتالات يعقوب وتارودانت، حيث جرى تشغيلي في ضيعات المعمرين لثلاث أيام، تجرّحت فيها يداي بفعل استعمالي لأوّل مرة للبالة والفأس".
لم يتوقف بنسعيد آيت إيدر على مباشرة أنشطته النضالية أثناء فترة الإقامة الجبرية، فسعى إلى بثّ الوعي الوطني وسط شباب القرية، كما أسس خلايا محليّة تابعة لحزب الاستقلال.
في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام اعتقل بنسعيد مرة أخرى على خلفية الإضرابات التي نُظمت احتجاجًا على اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشّاد، وظلّ في مواجهة مفتوحة ومستمرة مع سلطات الحماية إلى غاية استقلال بلاده في عام 1956، إذ سينتقل من محاربة الاستعمار إلى مواجهة الاستبداد المتمثل في الحكم الفردي المطلق.
شارك بنسعيد آيت إيدر في العمل المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، إذ أشرف على تكوين عدة مجموعات مسلحة على امتداد مناطق المغرب. وقد كان محط ثقة أغلب المقاومين، ما أهلّه إلى القيام بمهام التنسيق بين مختلف الفِرق والمجموعات المنضوية تحت لواء جيش التحرير.
يتبع..