التعلم بالسقوط في بئر "الخطأ"
ارتكب موظف في شركة IBM خطأ كلف الشركة 600 ألف دولار، سئل توماس واتسون، رئيس مجلس الإدارة، عما إذا كان سيطرد الموظف من الشركة بسبب الخسائر التي ألحقها بها، فأجاب بالنفي، معللا: لقد أنفقت 600 ألف دولار في تدريبه، بعد ارتكابه مثل هذا الخطأ الذي لن يكرره مرة أخرى، هل أرسله بعد ذلك لشركة أخرى تستفيد من خبرته ويأتي موظف جديد يرتكب الخطأ نفسه؟!
فلذلك تعد البدايات الخاطئة والفشل ضرورة لتحقيق أي حالة نجاح. قال العالم الأميركي ورجل الدولة بنجامين فرانكلين عن كثرة تجاربه غير الناجحة "لم أفشل، بل لدي 10000 فكرة لم تنجح".
الأسبوع الماضي شهد العالم العربي فشل تجربة الأسرى الفلسطينيين في نيل حريتهم، بعدما ألقت قوات الأمن الإسرائيلي القبض عليهم، وعادوا للسجن مرة أخرى ربما مع تضييقات وممارسات قمعية أكثر تمارس ضدهم، ولكن هذه التجربة ومع فشلها تركت أثرا إيجابيا، وربما تدفع آخرين للبحث عن حريتهم، حتى وإن بدا أن التجربة لم تنجح، ولكن الأكيد أن لها فائدة وستكون سببا لنجاح تجارب أخرى.
قد يكون الخطأ في اتخاذك لموقف سياسي، تدافع عنه بشدة، تصل أحياناً إلى حد الاستماته، ومع مرور الوقت والهدوء والنضج ترى زوايا أخرى لم تكن تدركها من قبل
العام الماضي سيطر علي شعور بالإحباط من كثرة التجارب، وآخرها نقص المستوى التعليمي في اللغة الإنكليزية وخاصة عند البحث عن دراسة جامعية أو وظيفة في مجالي نفسه، فقد انقطعت صلتي باللغة الإنكليزية بانتهاء مرحلة الثانوية العامة. سيطر علي شعور الإحباط تخلصت منه سريعا بالعودة ثانية لصفوف دراسة اللغة الإنكليزية لتعويض ما فاتني، ورفضت الهروب من خطأي.
من منا لم يحب كاتبا أو مطربا أو داعية وتغيرت رؤيتنا وتقييمنا له بعد فترة من الوقت، حتى مستخدمو الفيسبوك الأوائل عندما تعاد عليهم منشوراتهم القديمة، مع خاصية التذكير التي يستخدمها تطبيق الفيسبوك، قد يمحونها أو ينشرونها على سبيل الدعابة مع عبارات استنكار، فهذه التجارب قيمة أدت لتعلمنا وزيادة خبرتنا اليوم.
ومن الطريف في التعلم عن طريق التجربة والخطأ، في عام 2600 قبل الميلاد قام خادم فرعوني بإعداد الخبز، جهز العجين وغلبه النوم من التعب، فارتفع الخبز وهو ما نعرفه الآن "بالتخمير"، عندما استيقظ اندهش وأكمل إعداد الخبز وعجب مالكه، وحتى الآن جميعنا نستخدم عملية التخمير في إعداد المخبوزات، ربما هذا الخطأ كان وسيلة للاختراع واكتشاف ما هو جديد.
واكتشفت أيضا رقائق البطاطا عندما طلب أحد العملاء طبقا من البطاطا المقلية في أحد المطاعم بأميركا، لم تعجب المشتري وطلب أن تكون شريحة البطاطا رفيعة أكثر من ذلك، فأقدم أحد الطهاة على إعدادها، وعند تقديمها كانت أكثر قرمشة وأقبل عليها الزبائن، وهو ما اعتبر اكتشافا لطريقة طهي جديدة وتحولت لمغلفات من البطاطا المقرمشة التي نشتريها الآن من المتاجر، ولولا التجربة لما اكتشفت.
قد يكون الخطأ في اتخاذك لموقف سياسي، تدافع عنه بشدة، تصل أحيانا إلى حد الاستماته، ومع مرور الوقت والهدوء والنضج ترى زوايا أخرى لم تكن تدركها من قبل، أو يُفرض عليك تحمل تبعات موقفك فتدرك أنك كنت على خطأ، ولولا التجربة وسقوطك بداخل بئر الخطأ وتحمل ظلمته ما كنت لتدرك ذلك.