السلام الداخلي.. بوابة الجنة في الأرض
يمتلئ عالمنا بالكثير من المعارك والحروب والدمار، وما زالت الدول تتحارب بشتى أنواع الحروب من جهة، وتدّعي العكس من جهة ثانية، أي المناداة والدعوة إلى السلام. وقد حدّدت هذه الدول أياماً دولية للاحتفاء بالسلام والدعوة إليه، لكنها لا تني تتطوّر في صناعة وسائل الدمار وأسلحته، بل إنّ أنواع الحروب تطورت حتى، فهناك الحرب الباردة، الاقتصادية، الإلكترونية، الكيميائية، الإعلامية...
السادس عشر من مايو/ أيار من كل عام هو اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، فهل نعيش مع أنفسنا في سلام أصلاً؟ وما الذي يحول بيننا وبين العيش بسلام؟!
التعايش السلمي في الأصل هو سلوك فردي بالدرجة الأولى، ولو أنّ كلّ إنسان تعامل مع من حوله بسلام لتلاشت كلّ الصراعات والحروب، ويمكن تلخيص الفكرة بمنتهى البساطة من خلال الحديث الشريف "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"، ويستخدم مصطلح "السلم" كمصطلح معاكس للحرب والعنف، وهو الشعور بالأمان بعيداً عن التهديد.
السلام... شعور داخلي، حالة لا يصل إليها إلا إنسان متصالح مع نفسه ومع الحياة والأحياء من حوله، هو حالة الهدوء والسكينة، حالة مثالية من السعادة. والسلام الداخلي يعني تقبّل النفس والكفّ عن لومها ومعاتبتها وجلدها، الاعتراف بحدود قدرتها ومباركة كلّ مجهود تقدّمه، بتشجيعها على التطوّر، والإيمان بها والثقة بها، والسلام قد يكون أن تتمكن من قضاء بعض الوقت بمفردك.
لن تصل إلى السلام الداخلي إلا من خلال تقبّل نفسك والاعتراف بإنسانيتك وعدم مطالبتها بالمثالية، بالتسامح معها، بالاستمتاع بكلّ لحظة تعيشها، وحتى في اللحظات المؤلمة والأشدّ حرجاً، عليك أن تلتقط منها الإيجابي مهما كان خافتاً. وعليك أيضا التصالح مع الحياة والماضي والحاضر، مع النفس بكلّ تجاربها، والثقة بأنّ الله يكتب لنا دوماً من الأقدار ألطفها وأفضلها، وإنّ كلّ صعوبة نواجهها ما هي إلا فترة ومرحلة تأهيلية نخوضها تأهيلاً لمرحلة أكثر ثراءً في حياتنا.
السلام... شعور داخلي، حالة لا يصل إليها إلا إنسان متصالح مع نفسه ومع الحياة والأحياء من حوله
تقول المدربة في شؤون الحياة، مها حبش: "ينتهي الصراع بداخلك حينما ينتهي الكره، وينتهي الكره والغضب عندما تتوقف عن إشغال عقلك بمن أساؤوا إليك، أنت تستحق أن تشغل عقلك بما يسعدك وينفعك، أرجو أن تفعلها من أجلك أنت"، ثم تواصل المدربة حديثها لترشدنا إلى أولى خطوات السلام الداخلي، وتحدّدها بـ "التنظيف، أن تنظف داخلك من أفكار: الصراع، التذمر، الكره، الحسد، اللوم، التحسّس، وبعدها تبدأ في تشييد بناء أكثر قوة ومتانة، عندها ستنعم بأفكار: التصالح، الرضا، الحب، العطاء، التسامح، الاستقلالية" لتوصينا أخيرا، بالسعي للوصول إلى السلام الداخلي بكشف مخاطر العيش بعيداً عنه بقولها "بإمكان القلق لو تغلغل في الجسد أن يربك أكثر من مادة كيميائية مضرة، أو فيروس شرس وغذاء تام".
إذن، فلنخطُ أولى خطواتنا نحو السلام العالمي والتعايش معاً بسلام من خلال السعي للوصول إلى السلام الداخلي. إنّ شعور الإنسان بجنة السكينة يزيد من السلام المجتمعي، فكلّ فرد جزء من مجتمع، وكلُ مجتمع يشكل تكويناً مهماً في حياة هذا الكوكب.
وأخيراً، نردّد بابتسامة صادقة: "علينا وعليكم السلام".