الطفل اليمني... عامل يبكي في يومه!
لم يمرّ يوم العمال العالمي في اليمن مرور الكرام، بل هيّج ذكريات كثيرة لدى أبناء البلد، فابتكروا هاشتاغ حمل اسم "العمل الأول"، وصاروا يتذكرون أول عمل لكلّ واحد منهم، خصوصاً أنّ أغلبهم بدأوا الالتحاق بالعمل قبل بلوغهم سنّ العاشرة!
كثير من زملائي المثقفين، من كتّاب وإعلاميين، كانوا قد بدأوا مزاولة أعمالهم في مشاريع أسرية ضمن بقالة الأب أو مطعمه، أو ورشة أو حتى "بسطة" كان والده يكسب منها لقمة عيشه، معيلاً أسرة كثيرة الأفراد منها.
حينما نعود إلى التعبير العامي للعمل، نجد أغلب اليمنيين يقولون: "أروح أشقى"، أي: أعمل، أو "أروح أطلب الله على بطني". فاليمني، غالباً لا يمتهن عملاً لأنه يحبّه أو سيحقّق من خلاله علوّاً أو مكانة أو تطوّراً، أو لينهض ببلده من خلاله، كل ما في الأمر أنه يريد "لقمة قد لا تشبع بطنه وبطن من يعول". منذ زمن طويل واليمني هكذا؛ فلا نجد، مثلاً، البيوت مكتملة الأثاث كباقي بيوت الشعوب الأخرى إلا عند القلّة. كذلك لا نجد من يعمل كي يكسب ويدخر ويصل إلى مرحلة تمكنه من إطلاق مشروعه الخاص.
لعقودٍ طويلة طويلة مضت، ظلّ اليمني موظفاً تابعاً للدولة، يستميت من أجل الحصول على درجة وظيفية حكومية، لا ترقى بمستواه وخبرته، لا عملياً ولا علمياً، ولا يكتسب منها أيّ خبرة إضافية تُطوّره أو ترتقي به، مكتفياً بالراتب الضئيل والشقي، فصار عمله "شقاءً بشقاء" ومحصوله لقمة قد لا تشبع بطنه. واليوم: هل يدري العالم أنّ الموظف اليمني يلتزم دوامه كاملاً دون راتب أصلاً، ومنذ حوالى ثماني سنوات؟!
انعدمت فرص العمل في بلد مدمّر، تتناقص فيه فرص العيش يوما بعد يوم
أدرك أنّ ما أقوله غير منطقي بالمرّة، لكن هذا هو الواقع الحاصل الذي نعيشه للأسف. منذ بداية سنوات الحرب في اليمن، والفقر يبطش بحوالى 71 أو 72% من اليمنيين، حسب ما تقول الإحصائيات؛ لذا أضحى الجميع يعمل، نساءً وشيوخاً وأطفالاً.. انعدمت فرص العمل في بلد مدمّر، تتناقص فيه فرص العيش يوماً بعد يوم، فهل يحق لي أن أتمنى أن يجيء اليوم الذي يعمل فيه كلّ منّا من أجل المساهمة في نهضة بلدنا وتطوّره، لا لمجرّد جني لقمة العيش، بل كي تنتعش الحياة ونعمل بشغف وحب لنرتقي ونتطوّر نحن، وبلدنا معاً، وكي نفيد بلدنا بخبراتنا ونكتسب خبرات إضافية من خلال عملنا فيه ومن أجله؟!
لم ينسَ اليمنيون فاجعة وفاة الدكتور عمر العمودي، الذي مات جوعاً في شقته التي يستأجرها في العاصمة صنعاء قبل أن يكتشف جيرانه موته بعد مرور 12 يوماً على وفاته. هذا حال أكاديمي كبير يعمل أستاذاً للعلوم السياسية بكلية التجارة في جامعة صنعاء؛ وهذا حال المتعلمين والأكاديميين؛ فما بالكم بمن هو دونه علماً وعملاً ومكانة اجتماعية؟ كيف الحال مع عامل البناء بعد أن انهارت وتدمرت مبانينا؟! أيضاً، عامل الطلاء وقد غطى الحداد بلدنا باللون الأسود بعد أن سال دمه لسنوات طويلة؟ بالعمال؟ البسطاء، الأطفال الذين يبكيهم اليتم وينتحبون على طفولتهم المسفوحة في أعمال زجّهم العوز فيها ليعيلوا أسراً ستموت جوعاً لولا سواعدهم الهزيلة؟ بالأرامل التي تموج بها الشوارع، وقد امتهنَّ التسوّل، وربما أشياء أكثر ألماً وإهانة منه؟
اليمن يستحق السلام، ولو لمجرّد أن نجد عملاً بسيطاً، بمرتب نُشبع به جوع أبنائنا.