العيد رقم كم؟
في مثل هذه الأيام من كلّ عام، وقبل كلّ عيد، يحين الموعد الدوري للعدّ، ولاختبار الذاكرة أو تمرينات الرياضيات والحساب، على عدّ الأعياد التي تمرّ ونحن في بلاءٍ ما، العيد الخامس بعيداً عن الأهل، العيد السادس وحدي، العيد التاسع على أخي في المعتقل، العيد العاشر على صديقي المخفى قسريّاً، العيد الثاني عشر الذي لم أرَ فيه أمي، طيلة سنوات المطاردة والمنفى.
لم يعد الأمر مقتصراً على الاحتفال وحده، وإنما يجلب معه مجموعةً من الذكريات اللازمة، الواجب استدعاؤها، فلا مفرّ من اتصالٍ يخبرك للمرة الخامسة عشرة أنّ "العيد الجاي تكون معانا"، ولكن، يأتي ذلك العيد الجاي عشر مرات أخرى، منذ أول مرّة قيلت الجملة فيها، ولا أكون معهم، ولا نجتمع، ولا يلتئم شمل المعتقلين بذويهم، ولا يستطيع المطارد أن يعطي لأبنائه العيديّة بيديه، لا مرسلةً مع طرف ثالث، العيد القادم المنتظر يأتي، لكن السيدة القابعة في السجن للعيد التاسع على التوالي لا تستطيع أن تجهّز الفتة صباح ذلك اليوم بعد ذبح الأضحية، ليس لنقصٍ في المقادير لا سمح الله، ولا لعدم العثور على الخبز المحمّص، ولكن لأنّ الإنسانة التي ستقف خلف الموقد، نفسها، ليست حاضرة.
العيد رقم كم؟ سؤال يتداوله المصلّون في ساحات العيد خارج الوطن، يتنافسون أو يتنفّسون، بالسؤال والإجابة، يتشاركون الهمّ ليتخفّفوا منه في ساعات فرح مباركة، وتتصعّد الدعوات معاً بالفرج القريب، البعض تكون حساباته أكثر تعقيداً وتركيباً، فهو العيد العاشر من دون أهله لأنّه منفيّ، والعيد الخامس عشر من دون أخيه لأنه ما زال معتقلاً منذ سبع سنوات، والعيد الخامس من دون والده الذي توفي دون أن يستطيع شهادة دفنه، والعيد الثاني لأخته في بيت زوجها، الذي لم يره، ولم يحضر عرسها.
هو العيد العاشر من دون أهله لأنّه منفيّ، والعيد الخامس عشر من دون أخيه لأنه ما زال معتقلاً منذ سبع سنوات
أعيادٌ طيّبة هي أيام فرح ومشاركة وحب، وأيام ضحك وأكل وشرب، لكنني أشعر بأنّ الذنب يلاحقني، إن حاولت تجاهل ذلك هذه الأيام، أو غضضت الطرف عن مساكين لم يحضروا تكبيرات العيد ولم يشاهدوا الحج منذ كان البثّ المباشر رديء الجودة قبل 10 سنوات، ولم يأكلوا الفتة باللحم الطازج المذبوح للتوّ يوم العيد، ولم يقبّلوا أيادي أمهاتهم وآبائهم في الصباح، ولم يتأبطوا سجادات الصلاة ويذهبوا ملبّين ومكبّرين للساحات.
كلّ ذلك الفرح، المحروم منه هؤلاء، ونحن منهم، لا يعوّض، لن يستطيع الإنسان أن يعود للعشرين من عمره مرّة أخرى، هو يبلغ العشرين مرّة واحدة في العمر، وكذلك كلّ السنوات، وما يتخلّلها من أحداث وأعياد وعرفات وذكريات، لكن العوض عند الله، والجرم كلّه عند مجانين مصابين بجنون العظمة والسلطة والسادية، يتلذّذون بأعيادهم وحدهم، بينما يرون المآتم في بيوت أخرى باليوم ذاته، هم من قتلوا متوفيها، ومنعوا جنازاتهم، ثم يجلسون في الصف الأول، بمساجدهم التي تكلّف مليارات من حقوق الفقراء، ويقولون يا لبجاحتهم "لبيك اللهم لبيك"!