الفلسفة وحياتنا اليومية
عندما كنت في إدلب وسط ضجيج المأساة وزحمة الكوارث التي تداهم السوريين، سألني صاحب محل عرف أن لدي خبرة في مجال الدراسة، فقال لي ما هي دراستك؟ قلت له فلسفة، فضحك! لا أدري إن كانت ضحكته استهجانا أم استهزاء، أم أنها ناتجة عن قهر. وبدا له أني أتخصص بمجال يعتبره ترفا، ثم قال: "ما هي فائدة الفلسفة بحياتنا؟".
كان سؤاله هذا ينطوي على فهم رغم بساطته، فقلت له هذا السؤال هو من وظائف الفلسفة ذاتها، يعني أنت قمت بفعل فلسفي، عندما سألت عن وظيفة الفلسفة، وبالتأكيد عن ماهيتها، وتبحث عن جوهرها وفائدتها ومنهجها، وتلك الأسئلة هي فلسفة بحد ذاتها وهي لب الفلسفة، فراقت له إجابتي.
تعتبر الفلسفة أول محاولات الإنسان في البحث عن علل الوجود، والتفكير في أسباب الأشياء وحدوثها. الفلسفة سمة مرافقة للإنسان طالما أن هذا الإنسان يفكر ويبحث ويطرح الأسئلة، ويرتاب ويشك ويربط بين الأشياء ويصل إلى نتائج.
وقد يقول قائل: ما هي فائدة الفلسفة في حياتنا اليومية العملية؟ ماذا تقدم لنا في حياتنا؟ هل تملك وسائل لكي تجعلنا ناجحين في الحياة؟ هل لديها طريق لإرشادنا في يومياتنا؟
يرى كثير من الناس المعادين للفلسفة أنها كلام لا فائدة منه، فهي ثرثرة لا قيمة لها، وأننا إذا لم نعلم عنها شيئا سنعيش في الحياة دون أن نشعر بأنه ينقصنا شيء، وأن الفلسفة ترف فكري وسفسطة لا طائل منها، وهي طلاسم حتى روادها لا يعرفون تفكيكها، وأنها تعقد الحياة وتقضي على البهجة، وتحارب الدعابة مقابل فرض الجدية، وأنها تجعل صاحبها عابسا مقطباً جبينه، وفي المكان الذي تحل فيه الفلسفة يسود التشاؤم ويبتهج الاكتئاب، وأنها تقضي على الضحكة "وخفة الدم"، وتميت اللامبالاة، وأنها تجعل صاحبها منغمسا بالتفكير والمقارنات، بدلاً من المرح واللاهتمام.
الذي لا يعلمه هؤلاء أو لا يريدون أن يعلموا، أن الفلسفة سمة مرافقة للإنسان، طالما أن هذا الإنسان عاقل يفكر فهو يمارس التفلسف، وأن بذور الفلسفة تنمو مع نمو الإنسان. فالطفل نفسه تتشكل لديه الأسئلة ويبحث عن الأشياء منذ نعومة أظفاره، ويكثر من الأسئلة طامعاً في فهم العالم الذي وجد نفسه فيه، يريد أن يعرف حتى نفسه، ويتوق إلى معرفة كيف جاء وأين يذهب من يموت؟ وأين الله؟ وماذا وراء الجبل؟ ويكثر من ماذا، وهذا دليل أن الفلسفة ضرورة ملازمة لوجود الإنسان، تولد معه وتستمر باستمرار وجوده، ولا يمكن ان يتخلى عنها طالما يقوم بالتفكير، ويبحث ويحلل ويركب ويطرح الأسئلة.
يقول الفيلسوف الإنكليزي برتراند راسل: "إن الفلسفة توسع عقولنا وتحررها من عقال العرف والتقاليد" فهي بحكم طبيعتها التساؤلية والإشكالية تجعل العقل دائم البحث والتفكير، ويقول كارل ياسبيرس: "إن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة".
للفلسفة دور كبير في تشخيص الواقع وتبيان مرضه ووصف العلاج المفيد له، وفي عصر تطور الخرافة وسيادة التفاهة، نحن أحوج ما نكون إلى الفلسفة التي تحارب بكل ضراوة الخرافة التي باتت اليوم ترتدي ثوباً مزركشاً يدعي العلم، كما أن الفلسفة تطارد التفاهة وتضيق الخناق عليها، وتحاصر الأفكار البالية والتالفة، وذلك باستخدام التفكير المنطقي وإعلاء شأن العقل و دوره في كل مناحي الحياة.