هل تحتاج المعارضة السورية إلى ثورة؟
ثار السوريون على نظام بغيض حكمهم بالنار والحديد، وجثم على صدورهم عقوداً طويلة، وبدلاً من أن ينشئ لهم جامعات، فتح لهم أفرعاً أمنية، وعوضاً من بناء بنى تحتية، بنى لهم سجونا. ولأنهم يحلمون بالتغيير والتخلّص من الاستبداد والفساد بكلّ أنواعه، أرادوا القضاء على نظام العائلة الحاكمة، والتخلّص من المحسوبية والظلم والملاحقة الأمنية، فنادوا بالديمقراطية وإحلال الحرية بدلاً من الاستبداد، وإنشاء نظام يتيح للجميع تداول السلطة بشكل سلمي.
من أجل تلك المبادئ، ضحى السوريون بكلّ ما يملكون، ودفعوا أثماناً باهظة من أجل القضاء على الطبقة الحاكمة الفاسدة، التي استحوذت على السلطة بالقوة، ووضعت في يدها الأموال والثروات الوطنية.
لكن للأسف، لم تكن المعارضة السياسية والعسكرية بحجم تضحيات السوريين، كانت معارضة هشة وضعيفة، لم تستطع أن تحرّك ساكنا، ولم تتمكن من بناء كيان سياسي وعسكري يليق بثورة السوريين، الذين تبخرت أحلامهم بمعارضة تمثلهم وتنقل معاناتهم للعالم وتدافع عنهم. بل وماتت على عتبات تلك المعارضة كلّ الأماني بتشكيل جسم عسكري وسياسي متماسك، يكون على قدر جلالة الدماء التي بذلها السوريون.
كما أنّ هذه المعارضة لم تكن ضعيفة وفاشلة فحسب، بل ساهمت في إعدام تطلع السوريين إلى نظام سياسي نظيف خال من لوثة البعث. أراد الثوار تأسيس نظام في المعارضة يكون نواة لنظام حكم مستقبلي لسورية، نظام خال من عائلات متنفذة وقبائل متناحرة، فلا توجد فيه طبقة مخملية تبني مجدها على جثث الشهداء، حيث لا أموال منهوبة ولا سجون سياسية، لكن الذي حدث هو العكس.
لم تكن المعارضة السياسية والعسكرية بحجم تضحيات السوريين، كانت معارضة هشة وضعيفة
تكونت في المعارضة السورية طبقة من السياسيين الفاسدين التي استفادت من مصائب السوريين، واستثمرت دماءهم، وهناك طبقة أخرى في المعارضة السياسية معلولة مهترئة مشلولة عن الفاعلية والتفاعل، وهذه أيضا خيّبت أمل السوريين، فقوة هذا الشعب وشجاعته تحتاج لمعارضة تعكس تلك الشجاعة، وتكون على قدر المسؤولية. وتوجد في المعارضة السياسية أيضا طبقة ضحت بكلّ الأوراق وباعت القضية بغباء وقلّة خبرة في السياسة، وهذه أيضا يمقتها السوريون الذين يحلمون بمعارضة وطنية تجيد المناورة وتفهم اللعبة السياسية، ولا تضع كلّ بيضها في سلّة واحدة.
ومن المعارضة فئة متناحرة تكيد لبعضها البعض الدسائس، وتتعامل مع بعضها على أساس مناطقي وعشائري وفكري، لذا لجأت إلى الالتفاف حول عائلاتها أو مناطقها أو عشائرها، كي تحمي مكتسباتها، وتلك معارضة قسمت المجتمع السوري الثوري وجعلته يعود قبائل ومناطق متحزبة، بوصلته المناطقية الضيقة وليست القضية.
هناك شريحة واسعة في المعارضة السورية شريفة ونزيهة، لكنها ضعيفة ولا تمتلك الإرادة لصناعة التغير
وتوجد في المعارضة أيضا جماعة تأثرت بمدرسة الاستبداد، تريد أن تستحوذ على كلّ شيء، وهي صارت تشبه عائلات النظام، تكوّنت لديها ثروات كثيرة، وهذه معارضة مقاولة لا مقاتلة، كما أنها تريد أن يكون الحكم دائما في يديها، ولا تتخلى عن أيّ منصب، وهي التي ثارت على نظام مستعد لبيع كلّ شيء، إلا التنازل عن كرسيه للشعب!
ولا شك أن هناك شريحة واسعة في المعارضة السورية شريفة ونزيهة، لكنها ضعيفة، ولا تمتلك الإرادة لصناعة التغير وإزاحة الفاسدين، وهي معارضة نزيهة لكنها مصابة بالكسل وعدم الجرأة، وعليها تقع مسؤولية تاريخية، أن تتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الآوان.
هذه النخبة من المعارضة السياسية عجزت عن التوّحد وتكوين كيان متماسك، فلم تستطع أن تكسب رضا المجتمع المحلي، ولم تلق قبول المجتمع الدولي، كما فشلت في تشكيل جسم سياسي يكون على قدر تضحيات السوريين، يفاوض بقوة ودون تنازلات، ويطرح للعالم قضيته، كما يفضح النظام، ويلعب على محاور الأحلاف في المنطقة، يستفيد من تضارب المصالح بين الدول، ويكون لهذا الكيان قسم في الداخل يعيش بين الناس ويسمع معاناتهم، ويعاين كلّ مشاكلهم، متعاملاً مع الدول على أساس الندية بدلاً من خدمة مصالحها بالمجان.