الهزيمة في انتصار ترامب!
هلا نهاد نصرالدين
"مرحبًا هلا، لم أكن أعتقد أنّ بلدنا يمكن أن يخيِّب آمال شعبك أكثر، ولكن من الواضح أننا فعلنا ذلك. أنا آسفة جدًّا"، كانت هذه الرسالة التي وصلتني من صديقتي الأميركية عبر "واتساب" بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية.
لم أكن أعلم كيف أردّ عليها. انتظرت يومًا كاملًا قبل الردّ، لأنني ببساطة لم أكن أعرف كيف أعبِّر عن مشاعري. هل أخبرها كم خذلنا شعبها؟ وكم قتلتنا سياسات حكومتها؟ وعن حالة القلق والخوف مما قد يحدث في منطقتنا مع انتخاب ترامب؟ لكن ما ذنبها هي؟ أعرف جيدًا كم كانت متحمِّسة لكامالا هاريس، وكم كانت خائفة مما قد يسبِّبه وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة مرة أخرى.
تتابع صديقتي: "من المحزن للغاية أن أستوعب حقيقة أنّ 72 مليون شخص صوَّتوا لسياساته المليئة بالكراهية. ومع ذلك، هناك 68 مليوناً منّا لم يفعلوا ذلك. لقد بدأنا بالفعل في التنظيم لحماية أولئك الذين سيتضرَّرون".
رغم كل الجدل حول كامالا هاريس لأنها نائبة الرئيس الحالي جو بايدن، ورغم المجازر التي حصلت بغطاء أميركي في عهده، كنت أعلم أننا عالقون بين خيارين "أحلاهما مرّ". ومع ذلك، كنت أفضِّل فوز هاريس. لماذا؟ لأنّ ترامب، ببساطة، هو رمز للفوضى والجنون.
إنه الجنون بعينه! يواجه دونالد ترامب 34 تهمة جنائية تتعلَّق بتزوير السجلات التجارية، بما في ذلك إخفاء مدفوعات مالية لشراء صمت ممثِّلة أفلام إباحية قبل انتخابات 2016. وهذه ليست سوى واحدة من الكثير من التُّهم التي تلاحقه.
أما صهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر، فقد تورَّط في فضيحة فساد تتعلَّق بشركة إدارة العقارات التي يملكها. وافقت الشركة على دفع غرامة قدرها 3.25 ملايين دولار لولاية ماريلاند، وتعويض عشرات الآلاف من المستأجرين عن الرسوم المفرطة والإيجارات التي دفعوها رغم المشكلات الجدِّية في صيانة الوحدات السكنية.
هل سيأتي "رجل السلام" ترامب ويوقف الحرب ويسعى لحل دبلوماسي يعطي الفلسطينيين بعض حقوقهم؟ من يعود إلى أرشيف ترامب غير البعيد يعلم مدى دعمه غير المحدود لإسرائيل ولنتنياهو
ومن ينسى محاولة الانقلاب في 6 يناير/كانون الثاني 2021، بعد رفض ترامب قبول نتائج انتخابات 2020؟ كان هذا الهجوم على مبنى الكابيتول تهديدًا صارخًا للديمقراطية الأميركية.
أما في ما يخصّنا نحن في الشرق الأوسط، فقد اتَّخذ ترامب خلال فترة رئاسته خطوات عزَّزت سياسات نتنياهو المتشدِّدة. نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان هما مثالان واضحان على دعمه غير المشروط لإسرائيل وتجاهله الكامل لمعاناة الفلسطينيين.
يكفي أن نرى فرحة نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرِّفة بفوز ترامب حتى ندرك أنّ الآتي قد يكون أسوأ بكثير. مؤسف أن يكون مستقبلنا اليوم بيد رجل أقل ما يُقال عنه إنه رأسمالي متطرِّف.
ماذا عن وكالة أونروا؟ خلال فترة رئاسته السابقة، قرَّر ترامب عام 2018 قطع التمويل الأميركي للوكالة بالكامل، بعد أن قلَّصه تدريجيًّا من 365 مليون دولار إلى 125 مليون دولار سنويًّا. واليوم هناك قانونان صدرا من الكنيست الإسرائيلي لحظر عمل الوكالة وقطع الاتصال بها! ماذا سيكون مصيرها إذا أُقرَّت تلك القوانين وترامب على رأس الدولة التي تمنح التمويل الأكبر للوكالة؟ خصوصًا أنّ نائب ترامب الحالي، جي دي فانس قال مؤخَّرًا: "فهمي عن أونروا هو أنّ لدى بعض الموظَّفين العاملين هناك ارتباطات واضحة بالإرهابيين، وهذا أمر مشين".
ومن أكثر الجوانب المثيرة للقلق في رئاسة ترامب كان انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ عام 2017. كان هذا القرار ضربة قوية للتعاون الدولي في مواجهة أزمة التغيُّر المناخي. إدارته أعطت الأولوية للوقود الأحفوري على حساب الطاقة المتجدِّدة والاستدامة البيئية، مما يفسِّر دعم الأنظمة النفطية له.
للأسف، يبدو أنّ نحو 72 مليون أميركي ليسوا مستعدِّين بعد لترؤس امرأة سوداء الولايات المتحدة الأميركية. رغم كل الشعارات التي نسمعها عن المساواة بين الجنسين وبين الأعراق المختلفة، لكن الواقع مختلف تمامًا. هذه هي المرة الثانية التي تخسر فيها امرأة أمام ترامب. ولكن هذه المرة خسرت كامالا هاريس، المرأة السوداء التي تمثِّل الديمقراطيين وحقوق النساء والأقليات، أمام "الرجل الأبيض" الذي لا يزال يعكس رأي البيض المحافظين.
إحصائيات التصويت تكشف الفجوة الجندرية والعنصرية:
● النساء: 55% صوَّتن لصالح كامالا هاريس، بينما دعمت 44% منهن دونالد ترامب.
● الرجال: 54% صوَّتوا لصالح ترامب مقابل 45% لهاريس.
● الناخبون البيض: 55% لترامب مقابل 43% لهاريس.
● الناخبون السود: 86% لهاريس.
قالت الكوميدية الساخرة ديسي ليديك من برنامج "ذا ديلي شو": "لا يهمُّني لماذا خسرت هي، يهمُّني لماذا فاز هو. لقد أمضينا الكثير من الوقت في تحليل دونالد ترامب وما تقوله أفعاله عنه: إنه ديكتاتور، إنه فاشي، إنه نرجسي خبيث... ولكن من الواضح جدًّا أنّ أميركا هي التي تحتاج إلى التحليل هنا، لأنّ أيًّا كان ما هو خطأ فيه، نحن نحبّه. في هذه اللحظة، دونالد ترامب يحمل مرآة ويعكس صورة للشعب الأميركي، وقد يكون الوقت قد حان لننظر بتمعُّن".
بينما كنت أفكِّر في الردّ على صديقتي الأميركية، تساءلت بيني وبين نفسي: هل أخبرها أنّ الكثير من دول الشرق الأوسط والكثير من اللبنانيين فرحوا بفوز ترامب؟ وأنّ الكثير من مسلمي وعرب أميركا صوَّتوا له لأنه وعدهم بالسلام في الشرق الأوسط؟ لكن عن أي سلام يتحدَّثون؟ نحن الفلسطينيين واللبنانيين سندفع ثمن هذا السلام بأرواحنا ومنازلنا ومستقبلنا.
هل سيأتي "رجل السلام" ترامب ويوقف الحرب ويسعى لحل دبلوماسي يعطي الفلسطينيين بعض حقوقهم؟ من يعود إلى أرشيف ترامب غير البعيد يعلم مدى دعمه غير المحدود لإسرائيل ولنتنياهو الذي دفعه إلى انتقاد إدارة بايدن لعدم دعمها الكافي لإسرائيل.
أربع سنوات على الأقل سنعلق فيها مع ترامب. أربع سنوات قد تغيِّر مصيرنا وتقلب حياتنا رأسًا على عقب. شعب واحد يقرِّر مصير عالم بأكمله، بينما نحن نتفرَّج على دمارنا.
الشعب الأميركي يختار رئيسه... ونحن ندفع الثمن!