اليمن... مقبرة النساء
حينما قُتلت الفتاة المصرية نيرة أشرف، من قبل جارها في الحي ضجّت الدنيا، ووصلت أخبار ومستجدات قضيتها إلى الوطن العربي من أدناه إلى أقصاه؛ لأنّ المجتمع المصري ثري بالنساء الفاعلات الناشطات في مجال حقوق وحماية النساء، ومليء بالإعلاميات المتمكنات من الحديث عن القضايا المجتمعية بمهنية عالية، لإيصال أصوات الضحايا والمظلومات إلى أبعد مدى؛ كما أنّ المرأة المصرية من أكثر النساء العربيات قوة وثقافة وشجاعة.
في الأمس ذُبحت "نيرة" مرّة أخرى في بلد مقصي اسمه اليمن؛ ففي مدينة عدن تمّ قتل الفتاة العشرينية "فاطمة"، بسبع طعنات في ظهرها ووجهها وعينها من قبل زميلها في العمل، الذي تمكن من مغادرة مسرح الجريمة المروّعة دون أن يتم القبض عليه، وسبب القتل (أيضاً) هو رفضها الزواج منه! لكن مقتل "فاطمة" لم يجد التعاطف الكافي ولا التفاعل الذي يجعل منه ترينداً يمنياً على الأقل، فالنساء في اليمن يفقدن قيمتهن الإنسانية في كلّ يوم، وهن متهمات ومدانات حتى في نعوشهن.
يتم ذبح النساء في اليمن بطرق شتى، كالتجاهل والإقصاء والقمع والتجهيل والسحل بالمسؤوليات؛ فلا عجب إذن من أن يتم قتلهن في بعض الأحيان؛ بل وقبل أقل من عامين قتلت امرأة في العاصمة اليمنية صنعاء في الشارع أمام المارة الذين لم يتدخلوا ليوقفوا الجريمة، ولم يُقاصص زوجها القاتل، ولا تعالت مطالبات بمقاصصته أصلاً، فكيف يُقاصص رجل بامرأة في مجتمع ذكوري؟!
أيضاً، قبل أيام قليلة، تمّ إصدار قرار فصل الإناث عن الذكور في كليتي الآداب والإعلام بجامعة صنعاء، والاكتفاء بمجيئهن إلى الجامعة ثلاثة أيام في الأسبوع فقط. وحينما أعلنت الدكتورة، سامية الأغبري، رئيسة قسم الصحافة والنشر الإلكتروني بكلية الإعلام اعتراضها على هذا القرار (إذ كيف لكلية الإعلام أن تعامل إعلاميي المستقبل بهذه النظرة الضيقة؟)، تمّ بسرعة البرق إصدار قرار إعفاء الدكتورة سامية من منصبها.
تفقد النساء في اليمن قيمتهن الإنسانية كلّ يوم، وهن متهمات ومدانات حتى في نعوشهن
وهنا، تعرب الدكتورة سامية عن استيائها، قائلة: "القضية الأساسية ليست في إعفائي من رئاسة القسم، وإنما تكمن في حرمان الكثير من الكوادر الإدارية والأكاديمية النسائية من التمكين من صنع القرار واستحواذ الرجال عليه، وعدم تمكين المرأة من الوصول للمراكز القيادية؛ وكلية الإعلام وكلية الشريعة أنموذجاً، وهناك الكثير من الكليات بجامعة صنعاء وغيرها من الجامعات اليمنية ما زالت المرأة فيها مستبعدة من مراكز صنع القرار رغم امتلاكهن التأهيل والخبرة المطلوبة، كما يتم التعامل معهن بطرق سيئة في أماكن أعمالهن".
تختلف أطراف الصراع اليمنية على كلّ شيء لكنها تتفق على محو النساء من الحياة، فلا تجد امرأة ضمن المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين في شمال اليمن، ولا المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، ولا في حكومة اليمن الشرعية، فقد شرعن الجميع وأد النساء في مراكز صنع القرار، وإخلاء المنصّات الإعلامية من النساء يتماشى مع تغييبهن عن بقية أماكن صنع القرار، فالإعلام سلاح قوي يُراد خلوه من المرأة التي تشعر بأختها المرأة، وتنتصر لمظلوميتها وكينونتها، وتُوصل صوتها وقضاياها، وإذا كانت هذه القرارات تصدر بدعوى حماية النساء وصونهن، فأين هذه القرارات الصارمة من تعنيف النساء وقتلهن؟
كلّ هذا يثبت أنّ غياب النساء عن مراكز صنع القرار يُغيّب السلام ويؤجّج الحروب؛ فحين كانت النساء شقائق الرجال، شريكات فاعلات في مجتمعاتهن، لهن تقديرهن وتوقيرهن في أسرهن، كنّ سنداً للرجال، حاميات لظهرهم، مربيات للأبطال الذين شرّفوا اليمن بأن كان "مقبرة الغزاة". أما بعد أن تمّ تجهيل وتحجيم النساء (خصوصاً أنّ ما حدث في السنوات الأخيرة لم يحدث حتى في العصر الحجري)، فقد صار اليمن مقبّرة للنساء.