بعد الطوفان... هل يتراجع أبو تريكة؟
يتفوّق لاعبو الجيل الحالي من العرب، على النجم المصري، محمد أبوتريكة، من ناحية الإنجازات الكبرى؛ كتحقيق بطولة دوري أبطال أوروبا، والفوز بكأس العالم للأندية، والمشاركة في المونديال. إلا أنّ تفوّق أبو تريكة ورمزيته، لم يكونا أمراً مبنياً على الأرقام والإحصائيات فقط؛ بل كان حصاداً لما يفعله أبو تريكة الإنسان، خارج المستطيل وداخله. مواقف وأحداث قد لا تعني شيئاً في عالم الأرقام؛ لكنها كفيلة بتنصيبك أميراً على القلوب.
القضية الفلسطينية
لم يتوانَ أمير القلوب يوماً في إظهار تضامنه مع القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني. خدمته للقضية لم يكن على ظهر دبابة أو عبر عملية استشهادية، بل كان في المستطيل الأخضر، أو عبر المنصات المرتبطة بكرة القدم، من استوديوهات تحليلية، ومناسبات توزيع الجوائز.
رفع أبو تريكة قميصه في بطولة الأمم الأفريقية بغانا عام 2008، ليظهر شعار "تضامناً مع غزة" التي كانت تتعرّض لعدوان إسرائيلي في تلك الفترة. كان أبو تريكة من الأصوات القوية في مواجهة التطبيع مع إسرائيل، وذلك عبر استوديوهات قنوات "بي إن سبورتس" التي يعمل فيها محلّلاً. أظهر للناس والعالم ازدواجية المعايير، والكيل بمكيالين في سياسات المنظمات الرياضية، وهي تُسخّر كلّ جهودها لدعم أوكرانيا في مواجهة روسيا، بينما يرزح الشعب الفلسطيني تحت نيران الظلم والطغيان لعقود، دون أن تحرّك هذه الكيانات ساكناً؛ بل كانت تعاقب من يحاول ذلك، وكاد أبو تريكة أن يتعرّض للإيقاف بسبب تضامنه.
دبلوماسي بزي رياضي
"فاصلة" مصر والجزائر في التأهل لمونديال 2010 والتي تأهل فيها محاربو الصحراء على حساب الفراعنة، جعلت بين الشعبين ما صنع الحداد.
كان أبو تريكة من أوائل المصريين الذين أعلنوا مساندتهم للمنتخب الجزائري في مونديال جنوب أفريقيا، وأبدى استعداده لبذل كلّ شيء ممكن لدرء الفتنة بين البلدين العربيين الشقيقين. كان أحد الأعلام التي ارتكزت عليها صحيفة الهداف الجزائرية في مبادرتها لإصلاح العلاقات بين البلدين.
تفوّق ورمزية أبو تريكة، لم يكن أمراً مبنياً على الأرقام والإحصائيات فقط؛ بل كان حصاداً لما يفعله أبو تريكة الإنسان، خارج المستطيل وداخله
توافد الجزائريون، زرافات ووحداناً، إلى منزل والدة أبوتريكة إبان استضافة مصر لبطولة الأمم الأفريقية عام 2019، ردّاً لجميل مساعي أمير القلوب محمد أبو تريكة. واختتمت البطولة بمنظر مهيب ردّد فيه آلاف الجزائريين اسم أبو تريكة، في الدقيقة الثانية والعشرين من المباراة النهائية، التي كسبوا فيها ضد المنتخب السنغالي.
72 قلادة على صدر أبو تريكة
في فبراير/ شباط ٢٠١٢، وقع أحد أكثر الأحداث مأساوية في تاريخ كرة القدم المصرية. وقعت مجزرة دامية في ميدان بورسعيد، في اللقاء بين المصري البورسعيدي والأهلي المصري، فقد على إثرها أكثر من سبعين فرداً من ألتراس نادي الأهلي أرواحهم. كان أبو تريكة شاهداً على استشهاد عدد من هؤلاء.
رفع أبو تريكة قميصه في بطولة الأمم الأفريقية بغانا عام ٢٠٠٨، ليظهر شعار "تضامناً مع غزة" التي كانت تتعرّض لعدوان إسرائيلي في تلك الفترة
تعاطف أبو تريكة مع قضية الألتراس، معتبرها قضيته الخاصة حدّ قوله. رفض محمد أبو تريكة مقابلة المشير ورئيس المجلس العسكري وقتها، محمد طنطاوي، باعتباره مسؤولاً عمّا حدث في بورسعيد. لم يقف تضامن أبو تريكة في هذه الخانة، بل ترجمه إلى التزام أخلاقي تجاه أسر الشهداء؛ يصلهم في المناسبات، ويطمئن عليهم بلا انقطاع، وتحفه دعوات أمهات الشهداء، والحب غير المشروط من أولتراس أهلاوي.
هل وجب الاعتذار؟
تداول الناشطون، بعد عملية طوفان الأقصى، مقطعاً للنجم المصري إبان حفل الكرة الذهبية الجزائرية الذي نظمته صحيفة الهداف عام 2016، يتحدث فيه، ويذكّر النجوم العرب بأنّهم ليسوا مجرّد لاعبين، بل أصحاب رسالة تجاه المجتمع والنشء، الذي ينظر إليهم كقدوة يحتذى بها. ورغم أنّ المقطع يمثل رسالة إلى اللاعبين العرب، لكنه في ذات الوقت رسالة إلى النجم نفسه.
ففي أعقاب إغلاق سوق الانتقالات الصيفية للموسم 2023/2024، وجه أبو تريكة انتقادات لاذعة، حدّ السخرية، تجاه نشاط نادي تشيلسي الإنكليزي، التي أحدثت ردّة فعل غاضبة عند مشجعي تشيلسي في المنطقة. وفي معرض دفاعه عن تعليقاته، استنكر غضبة أحد مشجعي الفريق، قائلاً: "هو أنت من لندن؟"، ثمّ أضاف: "في الأول والآخر بنقدم حاجة ترفيهية لا حتقدم ولا حتأخر".
وبعد الأحداث الأخيرة، يطرح السؤال: هل يتراجع أبو تريكة عمّا قال؟... ليس فقط للدور الذي يمكن أن تقدمه، أو تؤخره، كرة القدم في قضايا أكثر أهمية من الترفيه، بل لأنّ أبو تريكة، هو القدوة الذي ضبط البوصلة الأخلاقية التي ينبغي أن يكون عليها اللاعب العربي، قولاً وفعلاً.