تصفية خاشقجي وحماقة بن سلمان
لكن ولي العهد، المشهود له بالطيش والتهور وعدم الخبرة، فاجأ الجميع، وذهب أبعد من ذلك في حماقته، فقرر هذه المرة تنفيذ عملية اغتيال في شخص صحافي يختلف معه في سياساته تجاه عدد من القضايا، على رأسها عملية الاعتقالات التي يقودها ضد معارضين في الداخل وامتدت إلى الخارج.
لم يكن لأحد أن يتصوّر أن يصل الأمر بمحمد بن سلمان، الذي انقلب على محمد بن نايف وصادر منه ولاية العهد وحوّل المملكة إلى سجن كبير، إلى أن يقدم على ارتكاب جريمة تصفية الصحافي المعروف جمال خاشقجي، وإذا تقبلنا مسألة أن تفكيره الإجرامي لا حدود له، يستغرب الجميع كيف له أن يقرر ارتكاب هذه الجريمة في قنصلية بلاده على الأرض التركية! أبَعد هذه الحماقة والسذاجة من شيء يقال؟
مر أكثر من أسبوع على اختفاء خاشقجي (نحو 60 عاماً) بعد دخوله قنصليه بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري وانقطاع أثره بعد ذلك، وكل المؤشرات ونتائج التحقيقات حتى اللحظة تفيد بأن خاشقجي قد قتل داخل القنصلية، وبأسلوب وحشي وأوامر من القصر الملكي مباشرة.
تقول الرواية المتداولة إن عملية تصفية خاشقجي داخل القنصلية نفذها فريق قدم خصيصاً لهذه المهمة، مكون من 15 شخصاً سعودياً، من بينهم مسؤولون وخبراء تشريح وبحث جنائي.
ألم يفكر محمد بن سلمان بعواقب جريمة كهذه تُرتكب على أرض أجنبية، وإن كان داخل قنصلية عليها العلم السعودي؟ الثابت أن بن سلمان لا يفكر، إذا كان يفعل ذلك ما أقدم على اعتقال المئات وزجّهم في السجون منذ أشهر من دون أي تهمة سوى أنهم لا يدعمونه في سياساته المتهورة وحماقاته المتكررة، وإذا كان يفكر، ما كان قرر وأقدم على احتجاز الحريري بطريقة مهينة، وإذا كان يفعل ذلك أيضاً ما عبث مع الإمارات في اليمن واستغل ضعف الدولة هناك وراح يقسمها كأنها مزرعة أورثها له الملك الكهل.
الدلائل حتى الآن تشير إلى أن جريمة تصفية خاشقجي رتب لها بعناية فائقة ونفذت بصورة مدروسة وبفريق أعد مسبقاً لهذا الغرض. لكن ورغم كل ما نشر حول القضية وما سربته الأجهزة الأمنية التركية من معلومات وفيديوهات وصور إلى الصحافة المحلية والأميركية بشأن الجريمة، لا تزال القصة لغزاً، ولا يزال الجميع ينتظر إعلاناً تركياً رسمياً يشرح تفاصيل ما جرى لجمال خاشقجي بالدلائل والبراهين التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات على مدى الأيام الماضية من البحث والتقصي.
عشرة أيام مضت على اختفاء خاشقجي، وهو الذي كان إلى فترة قريبة ابناً للبلاط الملكي ومقرباً من دائرة القرار السعودي، إلى أن بدأ رويداً في رفع صوته مع بدء عهد محمد بن سلمان وقيادته حملات القمع الأخيرة، منتقداً إياها، وهو ما لم يرق للأخير، فقرّر التضييق عليه بسبب مواقفه الناقدة في عدة ملفات وقضايا، بدءاً من حرب اليمن إلى حصار قطر والسياسة السعودية في لبنان.
ورغم مواقف خاشقجي تلك، إلا أنه لم يقدم نفسه في أي مناسبة كمعارض سعودي، وظل حتى اللحظة الأخيرة قبل اختفائه يقول إنه حرص على أن يكون "صحافياً فقط".
في النهاية، نحن أمام عملية تصفية سياسية، ومن المؤكد أنه بمجرد أن تعلن تركيا رسمياً، وبالأدلة، تورط السعودية في عملية تصفيته داخل قنصليتها بإسطنبول، فإنه ستكون لهذا الأمر تبعات جمة على علاقات المملكة، ليس فقط مع الجانب التركي، وإنما مع المجتمع الدولي بشكل عام، وسيكون العالم الذي يروج للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما المال السعودي أو الوقوف مع الحقيقة والانتصار لها.