المصطلحات الأجنبية في اللغة العربية: تعريب أَم تغريب؟
من الظواهر المتعارف عليها تاريخيًا إدخال الكلمات أو المصطلحات الأجنبية أو الوافدة إلى لغة أخرى، على أن يتم ضبط منطوق ومكتوب الكلمة الأجنبية طبقًا لقواعد الصرف بلغة المصدر، فتستقر في قواميسها وتصبح جزءًا منها.
تعتبر هذه الظاهرة طبيعية إلى حدّ بعيد، وتنتج عن تقارب الشعوب ذات اللغات المختلفة، من خلال تبادل النشاط التجاري والاجتماعي والهجرات، الأمر الذي يترتب عليه قدر من التمازج الثقافي والحضاري واللغوي. واللغة العربية ليست بمنأى عن ظاهرة التعريب، بل إن هذه الظاهرة بدأت في التمدّد غير المبرّر في الآونة الأخيرة، حتى صارت المصطلحات الأجنبية الوافدة أو المستخدمة في اللغة العربية بلا ضابط أو رقيب أو مسوّغ لغوي مقرّر من علماء اللغة العربية.
هناك الكثير من الكلمات الأجنبية كالإنكليزية مثلًا، تُكتب وتُصرّف بالأحرف العربية على نطاق واسع حتى كادت أن تكتسب صفة الكلمة المعرّبة على الرغم من وجود البديل العربي الواضح والأكثر تعبيرًا عن المعنى، وفيما يلي بعض الأمثلة، كلمة "جروب" أو "جروبات" وأصلها "group" بدلًا من مجموعة أو مجموعات، و"تيم" أو "تيمات" وأصلها "team" بدلًا من فريق أو فُرَقاءُ أو أفرِقةٌ، و"ميس" أو "ميسات" وأصلها "miss" بدلًا من مُدَرِّسُة أو مُدَرِّسُات، و"لستة" أو "لستات" وأصلها "list" بدلًا من قائمة أو قوائم، و"سنتر" أو "سناتر" وأصلها "centre" بدلًا من مركز أو مراكز، و"أدمن" وأصلها "administrator" بدلًا من مدير أو مسؤول، و"فلترة" وأصلها "filter" بدلًا من ترشيح أو تصفية، و"بروبوزال" وأصلها "proposal" بدلًا من أطروحة علمية أو مقترح علمي، و"أسيست" وأصلها "assist" بدلًا من يساعد أو مساعد، و"كونفرانس" وأصلها "conference" بدلًا من مؤتمر أو اجتماع، إلى آخره.
والأخطر من ذلك هو كتابة مصادر الأفعال الأجنبية بالأحرف العربية وتصريفها طبقًا لقواعد الصرف العربية، وفيما يلي بعض الأمثلة، كلمة "شيرتها" وأصلها "shared" بدلًا من شاركتها، وكلمة "فرمتها" وأصلها "formatted" بدلًا من أعدت تشكيلها أو تكوينها، و"ستبته" وأصلها "setup" بدلًا من ثبّته، و"سيّفته" وأصلها "saved" بدلًا من حفظته، وعادة ما تطلق تلك الكلمات على برامج أجهزة الحاسوب إلى آخره.
ما يدور من إقحام مصطلحات أجنبية في اللغة العربية المحكية والمكتوبة هو تغريب أو بالأحرى تخريب متنكر في صورة تعريب والتعريب منه براء
ما يساعد على تفشي الظاهرة وتأصيلها هو كثرة استخدام تلك الكلمات الأجنبية في وسائل التواصل الاجتماعي ذائعة الصيت، وفي الإعلام المرئي والمقروء، مما يسهم في انتقال تلك الكلمات سريعًا إلى أفواه و أقلام الأطفال، وأحيانًا ما تتسلّل تلك الكلمات إلى الوثائق أو المكاتبات الإدارية بالمؤسسات العربية، وكل ما سبق قد يتسبّب في الالتباس المعنوي للقارئ أو المستمع، سواء الناطق بالعربية أو بغيرها.
كما أسلفنا، إن دخول المصطلحات الأجنبية إلى قاموس لغة أخرى يعتبر من حيث المبدأ ظاهرة طبيعية مدفوعة بعوامل القرب الجغرافي بين الشعوب والإرث الحضاري والديني المشترك. فقد تأثرت اللغة التركية (العثمانية) تأثرًا كبيرًا باللغة العربية على مدار قرون، فكتبها الأتراك العثمانيون بالأحرف العربية التي أطلقوا عليها الأحرف القرآنية، واقتبسوا من العربية الكثير من الكلمات والمصطلحات حتى صارت اللغة التركية تحتوي على حوالي 70% من الكلمات العربية، وتأثرت اللغة العربية بالكثير من المفردات التركية أيضًا. فإنّ كان هذا يعكس التمازج بين مكونات الحضارة الإسلامية، فإنّ إقحام المفردات الإنكليزية في اللغة العربية دون مسوّغ موضوعي يعكس شكلًا من أشكال التبعية لحضارة المستعمِر.
والأهم من كلّ ما سبق من مظاهر التلوث اللغوي أنّ الفاعل ناطق بالعربية وربما كان من الجامعيين وحاملي الشهادات العليا. إنّ حقيقة ما يدور من إقحام مصطلحات أجنبية في اللغة العربية المحكية والمكتوبة بهذا الشكل الموصوف أعلاه هو تغريب، أو بالأحرى تخريب متنكر في صورة تعريب والتعريب منه براء، ومثل هذا السلوك يعكس ضعف الاعتزاز باللغة العربية كمصدر للهوية ومكوّن أساسي للثقافة والحضارة الإسلامية، وينم على تعلّق لا واعٍ بثقافة المنتصر "الغرب الاستعماري".