حزب الله... ما بعد نصر الله

09 أكتوبر 2024
+ الخط -

استوقفني تصريح لوزير الحرب في حكومة الكيان الصهيوني، يؤآف غالانت، خلال زيارته جنود العدو شمال فلسطين المحتلة. كانت الزيارة تهدف إلى رفعِ المعنويات بعد الضرباتِ المتكرّرة التي تلقتها قوات الاحتلال من المقاومة في لبنان والعراق.

قال وزير الحرب: "حزب الله بلا قائد، وبديل نصر الله قد جرى القضاء عليه فيما يبدو". هذا التصريح، الموجّه للاستهلاك المحلي، يعكس قلّة الفهم بطبيعة حركات المقاومة وبنيتها، وأيضاً قلّة فهم بقاطني هذه الأرض، خاصّة أبناء بلاد الشام، الذين وصفهم الرئيس السوري السابق، شكري القوتلي، خلال الوحدة مع مصر، وفقاً لمحمد حسنين هيكل، بقوله لجمال عبد الناصر: "أعانك الله على شعب 50% منهم يرون أنفسهم رؤساء".

لا شك أنّ اغتيال حسن نصر الله كان له وقع شديد على مناصريه ومحبّيه، لكنّها كانت النهاية التي يتمناها هو شخصياً. في الواقع، مثل هذا الاغتيال يزيد من شراسةِ الحزب، ويُظهر أنّ الحزب كان مستعدّاً لسيناريو من هذا النوع. القيادات الميدانية تعمل وفق خطط محكمة ومستقلة عن القيادة العليا، وهي بنية تعكس قوّة الحزب وتركيزه على الاستمرار حتى في أصعب الظروف.

من السذاجة الاعتقاد بأنّ حزباً يمتلك أكثر من مئة ألف مقاتل سيضعف فقط بفقدان قائده. صحيح أنّ الحزب تعرّض لاختراقٍ أمنيٍّ في الفترة الأخيرة، ولكن كما يُقال: "الضربة التي لا تقتل تقوّي". الحزب يحتاج إلى بعض الوقت لترتيب صفوفه ومعالجة الثغرات، لكنه يظلّ قادراً على العمل والتكيّف مع المتغيّرات.

كان لاغتيال حسن نصر الله وقع شديد على مناصريه ومحبّيه، لكنّها كانت النهاية التي يتمناها هو شخصياً

هذا كان واضحاً بعد الضربة القوّية التي أدّت إلى مقتل ثمانية جنود من العدو وجرح أكثر من أربعين آخرين. إضافة إلى ذلك، هناك حوادث أمنية تكتّم عليها العدو ومنع نشر أيّ معلومات عنها. ومن المتوقّع في المستقبل القريب أن تزداد وتيرة مثل هذه الحوادث، بينما يفرض العدو المزيد من الرقابة على الإعلام لحماية معنويّات جنوده المتدهورة.

في هذه الأثناء، وبينما كان وزير الحرب لدى الكيان يدلي بتصريحاته، كانت صفارات الإنذار تدوّي في حيفا، التي تتعرّض لاستهدافٍ شبه يومي من صواريخ الحزب. كما أنّ حزب الله وسّع نطاق استهدافه ليشمل مناطق أبعد، ويستمر في استراتيجيّته المتماسكة حتى بعد اغتيال قادته، ما يعني أنّ الحزب قبل وبعد استهداف حسن نصر الله لم يغيّر من مطلبه الوحيد، ألّا وهو إيقاف العدوان على غزّة.

رغم كلّ الدعم الذي تلقاه جيش العدو خلال العام الماضي، إلا أنّه فشل في القضاء على حركة حماس داخل قطاع غزّة الذي تبلغ مساحته 360 كم مربع من الأرض السهليّة، بينما حزب الله، في جنوب لبنان، ينتشر على مساحةٍ تزيد بعشرة أضعاف عن مساحة غزّة، وفي تضاريس جبليّة وعرة يصعب على العدو التعامل معها، ومن المؤكّد أنّ شتاء مختلفاً ينتظر جنود العدو إذا اختاروا المضي في عدوانهم على لبنان.