حماية النساء في الحروب
يعتبر القرار 1325 لعام 2000 وما تلاه من قرارات، الصادر عن مجلس الأمن لحماية النساء والفتيات أثناء النزاع ولبناء السلام أثناء النزاع وما يليه، ركيزةً أساسية في آلية حماية النساء والفتيات والطفلات، خاصةً أنه بات موازيًا لما يُصطلح عليه (أجندة المرأة والسلام والأمن). لكن وللأسف الشديد لم يتم الاسترشاد به أو تفعيله في ما يخص النساء العربيات، خاصةً في بلاد الحروب المستعرة مثل سوريا وفلسطين، خاصةً غزة ولبنان.
لقد غيّر القرار 1325 من منطلق التعامل مع النساء في النزاعات كضحايا فقط، وكمستجيرات وطالبات للحماية الرسمية والعائلية، وبات التعامل معهن بوصفهنّ فاعلات يفرضن أدوارهن حسب الضرورة ويمارسنها بكل ما لديهن من خبرة فطرية أو ناتجة عن مهارات بناء القدرات، كما تم تأكيد فتح الباب واسعًا أمام مشاركتهن في بناء السلام. لقد تم عبر نصوص القرار والقرارات اللاحقة، التفاعل مع النساء على أنهن شريكات في الحلول التي تنتمي للبيئة الخاصة للحرب وتفاصيلها الوطنية والمحلية، كما بات ممكنًا بل مطلوبًا اعتبارهن فاعلات في عمليات الإنقاذ والتخفيف من حدة أدوات النزاع وآثاره، وتدارك الآثار المتفاقمة لعجز القدرات المحلية على الإنقاذ والحماية والدعم النفسي والمساندة اللوجستية، وفي عمليات الإنعاش المبكر واستنباط حلول سريعة وآليات تشغيلية حسب الممكن المتوفر المرتبط بالخصوصية المحلية، إضافةً إلى الاندماج الفعلي في عمليات الإغاثة البشرية، خاصةً ما يرافق عمليات النزوح المستمرة في ظل غياب تام لكل إمكانيات ووسائل الحماية المباشرة، في ظل تأزم الوضع الحربي وعدم توازن المعادلات الحربية على الأرض والعجز الرسمي عن التوصل إلى اتفاقيات سلام أو هدن متقطعة. كما عمّق القرار دور النساء بوصفهن صانعات سلام وليس حمامات سلام، مهيضات الجناح عاطفيات ومنفعلات، وربما مجرد ضحايا.
إن الأعداد الكبيرة للضحايا، والنزوح المستمر وغياب الخطط اللازمة لتأمين الملاجئ، وعجز أو تضرر منظومات الإسعاف السريع، وعدم توافر مواد الإغاثة الطارئة، عدا عن هشاشة الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وفقر البنى التحتية والعوز المتفاقم في الدعم الحكومي الذي يعاني أصلًا من اهتلاك كبير، كلها فاقمت من تردي أوضاع النساء والعائلات برمتها، لقد تحولت كلها إلى عوامل تساهم بالمزيد من هدر حقوق النساء بوصفها جزءًا من منظومة حقوق الإنسان الدولية، وأولها الحق في حفظ الحياة والحق في الحماية والحق في الوصول الآمن لكل وسائل الدعم المؤمنة للحياة والمغذية بالعوامل الأساسية لوصول الدعم لمستحقيه.
في حين يبدو أن ما يحصل على الأرض يحتاج بشكل أساسي ورئيس إلى فعل وقرار سياسي وازن، خارج الحسابات المحلية، تعجز عنه القوى المجتمعية التي بادرت للإمساك بطرف الخيط علّها تتمكن من إنقاذ ما يمكن مهما بدا بسيطًا، لكن غياب أدوات الرفع الاجتماعي، خاصةً منظمات المجتمع المدني المغيّب والمفقر بقرار حكومي غير داعم له، وربما يصح القول بأنه مصادَر الرأي حتى في اختيار عناوين مشاريعه ومناطق استقطاب جمهوره والمستفيدين من خدماته، وفي أحسن الأحوال المدار بمشاريعه وتوجهاته بعقلية إنكارية تبني مشاريعها على أجندات الممولين وأصحاب القرار الدوليين.
إنها وقفة ضرورية رغم الدمار العظيم، للتساؤل عن الإمكانات التي قُدمت للنساء ليمسكن زمام المبادرة للمساهمة في إنهاض ما يمكن استنهاضه، ولو كان عنصرًا بشريًا أو موارد قابلة للتطويع والاستخدام المباشر والآمن في بلاد تحتدم فيها النزاعات المتعددة والمتتالية، رغمًا عن أهلها ونسائها وقواها المدنية والاجتماعية الفاعلة، أو تلك القوى والمنظمات التي تصبو إلى إيجاد دور فاعل لها، يؤسس للاستثمار في طاقات النساء والفتيات، يستند على حماية حيواتهن من أجل البقاء أولًا، وبناء القوة والتمكين لاستنباط آليات حماية ودعم لها صفة الديمومة والفاعلية.