رسالة من "سفيان الأول" إلى رحيمي
ربما يتملك كثيرا من المغاربة فضول لمعرفة جواب هذا السؤال:كيف يتابع اللاعب الدولي المغربي السابق سفيان العلودي إبداعات النجم الرجاوي سفيان رحيمي؟
قلة قليلة من المغاربة قد تتاح لها الفرصة لإطفاء هذا الفضول، والمحظوظون هم المقربون من العلودي نفسه أو رحيمي، لأنه ليس من المعقول ألا ينقل "سفيان الأول" عصارة تجربته إلى "سفيان الجديد". لكن لا خوف على الباقين.
لو أتيحت للعلودي فرصة كتابة رسالة إلى رحيمي فلن يكون نصها لغزاً عصياً على الفهم. وقد تكون رسالته فعلا ما جرى إرساله "أمانة" على أمواج القلب إلى الكاميرون، ونجحت أياد بيضاء في اعتراض طريقها لتعميم نسخة منها على الجمهور، قبل تأمين خط سير "الأمانة" إلى فندق "ستار لاند" الذي يقيم فيه المنتخب المغربي للمحليين في مدينة دوالا. للأسف، لم تتم قراءة جميع مقاطع الرسالة، لكن من حسن الحظ أن ما لا يدرك كله لا يترك جله، كما يقال.
يبدو العلودي في قمة السعادة لأن رحيمي يتقفى أثره ويدخل البهجة إلى قلوب المغاربة جميعا بأدائه المبهر في أدغال إفريقيا. يتماهى في ذهنه تألقه أمام ناميبيا عام 2008 مع إبداعات رحيمي في الكاميرون، ولا يعير أي اهتمام للمقللين من شأن بطولة أفريقيا للمحليين. أفريقيا كلها تتقاتل لنيل شرف المشاركة فيهما وألقابهما من ذهب، وإن بدا لقب "الشان" أقل شأنا.
لهذا السبب تحديدا، يبدو أن نواقيس الخطر تدق في أذهان المغاربة جميعا، بمن فيهم العلودي، الذي يسمع صلصلتها أكثر مع كل تدخل عنيف بحق رحيمي، ولاعبين آخرين كالحافيظي، بسبب ترسبات مرارة المباراة اللعينة أمام ناميبيا
بدا واضحا من الرسالة أن ذهن العلودي كان يضج بالنصائح لحظة كتابتها، ووجد صعوبة في ترتيبها نظرا لتساويها في الأهمية. يمكن اختزال هذه النصائح كلها في كتيب إرشادات لتفادي ألغام البدايات المتوهجة، حتى لا تعمى الأعين فتضل طريقها ولا يتعدى صداها حدود الوطن وقلوب المحبين. لكن الرسالة لم تكن تتسع لكل هذه التفاصيل. الرهان كله هنا على ذكاء رحيمي.
تشي الرسالة بإشادة خفية بتريث رحيمي في مناقشة عروض الاحتراف قبل انتهاء "الشان" وإسدال الستار على "كأس محمد السادس للأندية الأبطال"، التي بات الرجاء على مرمى حجر من الفوز بها. لا ينقصه سوى اجتياز عتبة الاتحاد السعودي في المباراة النهائية بالرباط. تتجلى هذه الإشادة في النصيحة الذهبية من العلودي مخاطبا نجم الرجاء: "لا تتسرع".
يعلم "سفيان الأول" أن الوقت فات ولا فائدة من أي عتاب على تسرعه في التوقيع على أول عقد احترافي في مسيرته، قبل فترة وجيزة من بدء منافسات كأس الأمم الأفريقية التي كان الجميع يتوقع له أبرز نجوم المغرب فيها. وصل العلودي إلى غانا وعليه الهالة نفسها التي اقتحم بها واين روني ملاعب البرتغال في "يورو 2004". لكن النجم المغربي بدأ "كان 2008" بعد أن حدد وجهته الأولى في عالم الاحتراف، وهو ما يفوت على اللاعب وناديه فرصة تحويل أي تألق إلى أرباح مالية. أما النجم الإنكليزي، فقد استفاد كثيرا من تألقه في البرتغال ليحقق حلمه بالانتقال إلى مانشتسر يوناتيد، الذي بات بعد سنوات أحد أساطير هجومه.
ما حصل في المباراة الأولى أمام ناميبيا لن يمحى من ذاكرة العلودي. كأنه وقع بالأمس فقط. لقد صال وجال وسجل هاتريك، وانتهى مشواره في تلك البطولة قبل يطلق الحكم صافرة النهاية معلنا عن فوز "أسود الأطلس" باكتساح: 5 أهداف مقابل هدف يتيم كان نصيب العلودي منها هاتريك.
ومع ذلك، تكشف الرسالة عن سر غير خفي على أحد: يظل ذلك الفوز أكثر انتصارات المنتخب المغربي مرارة. إنه أشبه بمن يربح معركة ويخسر حربا، لأن ناميبيا كان المنتخب الأضعف في تلك المجموعة. بعدها، تابع العلودي، عبر التلفاز، المنتخب وهو ينازل منافسيه الرئيسيين على بطاقة التأهل لدور ربع النهائي. النتيجة كانت مخيبة، خسارة مخيبة أمام غينيا (3-1) وهزيمة قاسية أمام البلد المضيف غانا بهدفين نظيفين.
ولعل هذه المرارة ما دفع العلودي إلى تدوين هذا الاعتراف في رسالته: "لا أخفيك أخي سفيان أنني أضع يدي على قلبي كلما استهدفتك تدخلات عنيفة في الكاميرون". قد تكون وراء هذا الاعتراف أسباب كثيرة، لكن أبرزها تلك المرارة التي لم تضمحل بعد، وخشية من تكرار نفس السيناريو لا قدر الله.
ولهذا السبب تحديدا، يبدو أن نواقيس الخطر تدق في أذهان المغاربة جميعا، بمن فيهم العلودي، الذي يسمع صلصلتها أكثر مع كل تدخل عنيف بحق رحيمي، ولاعبين آخرين كالحافيظي، بسبب ترسبات مرارة المباراة اللعينة أمام ناميبيا. غير أنني لا أستطيع في الوقت نفسه استبعاد هذه الفرضية.
"هل كان على الراحل هنري ميشال وقتها استبدالي قبل أن تحصل الكارثة؟" سؤال آخر يفرض نفسه على "سفيان الأول" قبل أن يجيب بكل ثقة: "لا يلام مدرب على ذلك". أليس من الغباء تغيير الفريق الذي يحقق الانتصارات، فكيف يعقل استبدال لاعب بدأ لتوه في صناعة المعجزات.
في الرسالة نفسها، حديث من العلودي إلى كل من جمال السلامي والحسين عموتة، لكن لا سبيل لقراءتها بشكل واضح. ومع ذلك، يمكن تخمين مضمونها. قد تكون توصية بعدم التردد في استبدال رحيمي إذا استشعروا استهدافا لأقدامه الذهبية من لاعبي الخصم.
قد يقول قائل: "وماذا عن حاليلوزيتش؟ إنه غير معني بهذه الرسالة، لأن الأمنية أن يعطي الفرصة لنجم الرجاء ليتبوأ المكانة التي يستحقها عن جدارة مع المنتخب الأول.
نصحية أخيرة من أخيك الأكبر: ليس شرطا بلوغ ذروة العطاء لأن لكل شيء إذا ما تم نقصان.. فهل وصلت الرسالة؟