غزة الحزينة... لا بد للبشرية أن تتوب!
كلّما عاث الإنسان في الأرض فساداً، أربى شقاؤُه وزاد بلاؤه. وعند تعاظم الفساد واستفحال الظلم، يتدخل النظام الطبيعي بشكل ذاتي لإعادة التوازن في الكون. وما شهدنا عليه في الأيام القليلة الماضية والمستمرة حتى الآن، والتي هي بمقدار سنوات على الفلسطينيين، هو في غاية الخطورة. ترتجف أمامه كلّ نفس لم تفقد في هذا الزمن، الغريزة الفطرية التي تميّز بها الحق من الباطل، العادلَ من الظالم، وتنبذ كلّ ما هو غير إنساني. وكلّ من يحسب هذا هيّنا، مختوم على قلبه الحالك، ونفسه الواهنة. وعندما تجتمع أغلبية البشر على الظلم، وتُجمع على تبرير الإرهاب وتنهش لحم بني جنسها، فهلاكها قادم لا محالة.
اجتمعت الكتب السماوية على سرد مجموعة من قصص الأسلاف، والأقوام التي تتالت منذ أوّل البشر على الكون، بغية الموعظة لا الإمتاع والمؤانسة. ومن القصص ما ذُكر وذُكِّر به. ليس عبثاً، وإنّما في ذلك حكمة ومبتغى منشود. إن كانت هناك خلاصة يجب استنباطها من هذه النصوص السماوية، فهي الدائرة المغلقة التي تدور البشرية في فلكها منذ خلقها أوّل مرّة. انتشار الظلم وتسلّط فئة على أخرى، يتدخل بعدها النظام الطبيعي لإعادة التوازن ثم استقرار الوضع الجديد. ما يمكن أن نستخلصه من كلّ هذا، هو أنّ التدخل الذاتي للنظام الطبيعي في معظم الأحوال، يكون عنيفاً وكارثياً. طوفان يحرق الأخضر واليابس، نفس الطوفان الذي أصاب قوم نوح؛ وفرعون بجنوده، الذي وصل به جبروته إلى قتل الأطفال لمجرّد أنهم عرفوا الحياة، ومن الأمثلة والمواعظ ما لا يحتاج منّا إلا التمعن والتروّي.
ما يحدث للبشرية اليوم، ليس إلّا إعادة لنفس السيناريو، بشري الإخراج. هذا الإجماع الدولي على الظلم الذي طاول الفلسطينيين وأراضيهم المحتلة، لا يمكن إلا أن يكون له نتيجة واحدة وحتمية، هلاك البشرية لا محالة، سواء قرُب المدى أو بعُد.
ما نراه اليوم هو أشدّ مراتب الظلم والطغيان، استعمار أرض، استحياء نسائها وقتل أطفالها أمام مرأى من كاميرات العالم كلّه. والأكثر من ذلك، استفادة الكيان السفّاح من الدعم المادي والمعنوي، والمباركة الدولية. أمام كلّ هذا، صمتٌ كبيرٌ مهوّل، جبن الضمائر ونذالة الأنفس. الخوف حتى من التنديد بالجرائم المرتكبة في حقّ الفلسطينيين، والذي ما هو إلا جبن وخيانة عظمى للإنسانية. حتى دول الغرب التي تلّقن العرب والدول المتخلّفة دروساً في الحريات والديمقراطية، كشفت عن سَوأتها اليوم. هذه الدول التي ما فتئت تصدر التقارير من أجل حماية حقوق وحريات الأفراد، والنساء والأقليات منهم، كشفت عن الوهم الذي تبيعه للشعوب، وتبرّر به تدخلاتها في شؤون دول باع حكّامها السيادة من أجل السلطة. إنقاذ الشعوب العربية، وتحريرها من الديكتاتورية بذريعة ضمان الأمن والاستقرار، هو نفس التبرير الذي خوّل للولايات الأميركية المتحدة غزو العراق، "تحريرها" من الديكتاتور!.
حتى اتخاذ الحياد هو مشاركة في اغتصاب حق الفلسطينيين، وفي طمس الحقيقة التي يعرفها العالم برمتّه اليوم، والتي يسعى كيان الاحتلال لتزويرها
إن كان هناك ديكتاتور، فهو هذا النظام العالمي القائم بمؤسساته، ودوله وأشخاصه، وما خفي منه.
إنّ السكوت اليوم، والتزام الحياد في قضية استعمار، ضحيتها شعب ذنبه أنّه وُجِد على أرض موعودة.. موعودة لبني إسرائيل. جريمة ومشاركة في القتل العمد والترهيب.
هذه الأرض الموعودة التي يُقتل لأجلها الإسرائيليون، ويخلّفون وراءهم الثكلى واليتامى والمعطوبين منذ سنين، موعودة لأجلٍ غير مسمّى. واسترجاعها بحسب ما ورد في القرآن والتوراة مقرون بتدخل إلهي غيبي، لا بشري مادي. وحتى حاخاماتهم من اليهود يخشون تأسيس دولة لإسرائيل، لما سيتبع ذلك من شقاء وعذاب نتيجة لعدم الامتثال لأوامر الرب.
اتبّاعاً لهذا المنطق، فإن قوم إسرائيل ليسوا وحدهم من سيعذّبون، وإنّما البشرية جمعاء لمشاركتها في هذا الإعدام العلني الذي حضرناه ونحن شهود عليه إلى يوم تبعث الأرض ومن عليها، لأبرياء معظمهم أطفال ونساء. مشاركة البشرية بالسكوت والتزام الصمت. حتى اتخاذ الحياد هو مشاركة في اغتصاب حق الفلسطينيين، وفي طمس الحقيقة التي يعرفها العالم برمتّه اليوم، والتي يسعى كيان الاحتلال لتزويرها باستعمال كراكيزه من صحف دولية ذات الصيت العالي، ومنظمات حقوقية عندما وصلت إلى حقوق الفلسطينيين البسيطة خرست ألسنتها.
كسر هذا الطوفان، طوفان الأقصى، حائطاً من الكذب والبهتان، بناه الغرب على مرّ قرون باسم الديمقراطية والحقوق والحريات. كشف لنا أن الشعوب العربية التي لم تعرف لا الحرية ولا الديمقراطية، ما زالت ضمائرها حيّة.