قصة اللبنانيين مع "أم كامل" الإسرائيلية!
هلا نهاد نصرالدين
هل تعرفون من هي "أم كامل"؟ هذا السؤال للقراء العرب غير اللبنانيين. فمَن من اللبنانيين لا يعرف أو لم يسمع بهذا الاسم من قبل؟
"أم كامل" ترافقنا في أيامنا وليالينا، صوتها لا يفارق أذاننا ليلًا ونهارًا، في أحزاننا الكثيرة وأفراحنا القليلة. اعتدنا على وجودها الدائم حولنا. عندما تختفي، نفتقدها ونتساءل عن غيابها، لكنها تعود في اليوم التالي. نعرف أنها دائمًا موجودة وللأسف دائمًا ستعود.
قهوة الصباح مع "أم كامل"، الغداء مع "أم كامل"، السهرة مع الأصدقاء مع "أم كامل"، وحتى تنظيف البلكون يكون أيضًا مع "أم كامل".
قررت منذ عدة أيام أن أعبّر عن كل هذه المشاعر المختلطة عبر التنظيف العميق لغرفتي وشرفتي في منزلي في بيروت، باعتبار التنظيف أحد أساليب التأقلم مع الأزمات. عادةً ما أنظف غرفتي على وقع أغانٍ مختلفة ليمر الوقت بسرعة، ولكنني هذه المرة لم أشعر بالحاجة للاستماع إلى الموسيقى. أدركت أن صوت "أم كامل" المزعج سيمنعني من الاستمتاع بأي موسيقى. شعرت أنني سأشوّش عليها، أو هي ستشوّش عليّ؛ لم أعد أدري، فصوتها المزعج يعيق تفكيري وتركيزي بشكلٍ كبير. هذا الصوت المستمر يجعل من الصعب التركيز في أي مهام.
هل حزرتم يا أصدقاءنا العرب من هي "أم كامل"؟
"أم كامل" هو اللقب الذي أطلقه اللبنانيون على المسيّرات الإسرائيلية التي لا تفارق سماءهم، استنادًا إلى اسم طائرة MK الإسرائيلية. مهمتها تشمل تحديد الأهداف المحتملة، جمع المعلومات والاستخبارات، استفزاز اللبنانيين، وتلعب دورًا أساسيًا في الحرب النفسية التي تقودها إسرائيل بالتوازي مع العدوان العسكري.
بمجرد أن نكتب على محرك البحث "غوغل" مسيّرة إسرائيلية حتى تنهال علينا المقالات والعناوين: مسيّرات إسرائيلية تجول في سماء لبنان وغيرها من العناوين المشابهة.
"أم كامل" هو اللقب الذي أطلقه اللبنانيون على المسيّرات الإسرائيلية التي لا تفارق سماءهم، استنادًا إلى اسم طائرة MK الإسرائيلية
أحد أشهر هذه المسيرات هي هيرون MK II وهي طائرة بدون طيار متوسطة الارتفاع وطويلة التحمّل وقادرة على حمل حمولات متنوعة في نفس الوقت. يمكنها التحليق لارتفاعات تتجاوز 35 ألف قدم وسرعة تصل إلى 150 عقدة (نحو 278 كم/الساعة)، مع قدرة تحمل تصل إلى 45 ساعة متواصلة.
لهيرون MK II تكوينات جديدة مثل أجهزة الاستشعار بعيدة المدى والمراقبة العميقة. ولديها قدرة هائلة على جمع المعلومات من عشرات الكيلومترات.
أمّا مسيرات أخرى فهي مثلًا "إلبت هيرمز 900" و"هيرمز 450"، وهي طائرات إسرائيلية مسيّرة بدون طيار، متوسطة الحجم ومتعددة الاستخدامات، مصممة للمهام التكتيكية على ارتفاعات متوسطة ولمدة طويلة، وتستخدم بشكل رئيسي للمراقبة والتنصت وترحيل الاتصالات. تستطيع "هيرمز 900" مثلًا التحليق لمدة 30 ساعة والوصول إلى ارتفاع 30 ألف قدم. تستطيع هذه الطائرات أيضًا حمل صواريخ وقنابل بأوزان معينة.
تآلفنا معها، مرغمين، حتى بات لها لقب. صوتها هو عبارة عن طنين لا يتوقف؛ هل جربتم شعور أن تكون ذبابة حول أذنكم طوال الوقت؟ هذا تقريبًا شعورنا مع المسيرة الإسرائيلية… ذبابة. أسمع صوتها الآن بينما أكتب هذه المادة، وأنا متأكدة أنه أثناء قراءتكم للمدونة ستكون أيضًا تحوم فوق رأسنا. لا أعلم إن كانت هي أيضًا تدرك أن هذه المادة عنها، نظرًا لقدراتها الاستخباراتية الهائلة.
من المزعج جدًا أن نعيش ونحن مدركون أن أجهزة العدو قريبة إلى هذا الحد، وأن معلوماتنا وحياتنا مكشوفة دون أي رادع أو وسيلة للحماية. يملك صديقي تليسكوبا، ويحاول بين الحين والآخر النظر عبره لرؤية المسيّرة، وكأنّه بهذه الحركة يحاول أن يتحدّاها. فينهاه والده صارخًا: "لا تلفت النظر إلينا"، إلى هذا الحدّ باتت هذه المسيرة المزعجة وكأنها تعيش بيننا.
لا شك أن الوجود المستمر للمسيّرات الإسرائيلية فوق لبنان له تأثيرات نفسية كبيرة علينا كمواطنين. فهي تذكرنا دائمًا بأننا مراقبون وأن الخطر قريب جدًا، وأنّنا تحت تهديد دائم. هذا الواقع يزيد حالات القلق والتوتر المزمن والصداع والأرق.
لكن المسيّرات قد تكون من أنواع مختلفة وطراز متنوع، ولكن رغم اختلافها، ستبقى دائمًا هذه الجارة المزعجة العدوّة في الطابق العلوي تدعى "أم كامل" بالنسبة لنا. قصة اللبنانيين مع أم كامل قديمة جدًا، أقدم بكثير من الحرب الإسرائيلية على غزة وعلى لبنان. وتحديدًا قصة أهل الجنوب الذين اعتادوا صوتها حتى باتت جزءًا من يومياتهم. وها نحن اليوم في بيروت نعتاد على صوتها وعلى خرقها للأجواء اللبنانية واستهتارها بالسيادة اللبنانية.
قد تنتهي الحرب، لكن تجربتنا في لبنان تذكّرنا أن "أم كامل"، حتى لو غابت لفترة، ستعود للأسف! أما "جدارات الصوت" وأصوات الغارات، فهذه قصة أخرى نتركها للحلقة القادمة من معاناة اللبنانيين مع العدوان الإسرائيلي السافر على بلادنا.