لبنان وتغريدات أفيخاي أدرعي

10 أكتوبر 2024
+ الخط -

"أفيخاي نشر تغريدة جديدة لمناطق سيتم استهدافها بعد قليل في الضاحية الجنوبية لبيروت".

يقول أحد الزملاء على مجموعةٍ ضمن منصّة واتساب، وتضمُ عدداً من الصحافيين المُقيمين في لبنان. يدرك الزميل أنّنا جميعاً قرأنا التغريدة، بعدما قمنا بتشغيل إشعارات حساب المتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، لكنّه يرسلها من باب حرصه علينا ولنسارع، نحن أعضاء المجموعة، إلى تعميمها على العدد الأكبر من المجموعاتِ والصفحاتِ على مختلف منصّاتِ التواصل الاجتماعي.

ليست مبالغة القول، اليوم، إنّ تغريدات أدرعي تتحكّم بمصير شعبٍ بأكمله. عشرات الأفكار تُراودنا ونحن نقرأ تغريدة المتحدّث باسم جيش الاحتلال "الحريص على سلامة المدنيين". أين يقع هذا المبنى بالتحديد؟ متى زرنا هذا الشارع آخر مرّة؟ هل يوجد أيّ شخص هناك؟ وفي حالة وجود شخص بالقرب من "المنطقة الحمراء"، هل وصلت إليه التغريدة؟ هل لديه حساب على منصّة إكس؟

 مئاتُ الرسائل تصل إلى هاتفنا بعد التغريدة، والتي تتنوّع بين تحديد مكان القصف، وبين الاطمئنان على أنّ الزملاء والأصدقاء ليسوا بالقرب من المنطقة المحدّدة. فجأة، تصل الرسالة الملعونة التي نخشاها في كلِّ مرةٍ: "لا تزال بعض الشقق أو المباني مأهولة بالسكان". 

عددٌ قياسي من الرسائل في ظرف دقيقة أو دقيقتين، وكأنّ جهازنا المحمول هو كلّ ما نملك لحماية بعضنا بعضاً. تُسارع الطائرات الحربيّة إلى التفنّن بتدمير المبنى المحدّد والمباني، أو الشارع والشوارع المحاذية. عدا المباشرة بالقصف بعد دقائق معدودة من "الإنذار الحريص على سلامتنا"، وغالباً ما يَستهدف القصف مبانيَ وشوارع مختلفة عن التي قام أدرعي بتحديدها لنا. انتهى الكابوس الأوّل من ليلةٍ جديدة ستمرّ من دون أن نغمض أعيننا فيها. ننتظر مقاطع الفيديو التي سينشرها الناشطون لنقارن إن كان هذا العدوان بنفس عنفيّة الليلة الماضية، أم أنّه هائل ليرقى إلى درجة المقارنة مع ليلة الجمعة (27 سبتمبر/ أيلول) التي سبقت اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله. 

غالباً ما يستهدف القصف مبانيَ وشوارع مختلفة عن التي قام أدرعي بتحديدها

إشعارٌ جديد من حساب أدرعي على "إكس". ها هي منطقة أخرى ستتعرّض للقصف والتدمير. نعود للدوامة نفسها. نطبّق الخطوات بحذافيرها، وكأنّنا جهاز "روبوت" علّمه مصمّموه ماذا عليه أن يفعل في كلّ مرّةٍ. إشعار ثالث ورابع وخامس، وربّما أكثر، وها نحن على "القعدة نفسها"، نستذكر الشوارع التي تمّ قصفها، نضحك ونبكي على ذكرياتنا، وأعيننا على تغريداتِ الحساب نفسه. 

إنّها الساعة الرابعة فجراً، مرّت ساعة تقريباً من دون أيّ إنذار، ومن دون أيّ قصف مباغت، لم يتكرّم أدرعي بإعلامنا به. تسأل إحدى الصديقات: "صار فينا نام كم ساعة؟"، في نموذجٍ مصغّر عن تحكّم هذه التغريدات بمصيرنا. هي مدركة أنّنا نجهل الإجابة، لكنها تودّ مشاركتنا شعورها بالإرهاق من السهر المتواصل طوال الأسبوعين الماضيين. نعود إلى منصّات التواصل الاجتماعي، ونحن نمنّي أنفسنا بأنّ أدرعي لن يصدمنا بـ"تويت" جديدة، لنُعاين الأماكن التي تمّ استهدافها ومدى الدمار الذي لحق بضاحية عاصمتنا. يصل إلينا عدد قليل من الأخبار عن العدوان الذي شهدته بعلبك والبقاع وجنوب لبنان. باتت هذه المناطق نسخةً عن المقاطع التي وثّقت القصف على قطاع غزّة، تغيب عنها التغطيّة الإعلاميّة بصورةٍ شبه كاملة، عدا بعض المتطوّعين المحليين الذين قرّروا توثيق مجازر الاحتلال بحقِّ أهالي وأرزاق بلداتهم. 

على ما يبدو، انتهت ليلة جديدة من فيلم الرعب المتواصل، مع المخلّفات نفسها: نوبات القلق والهلع. أتوجّه إلى فراشي وأنا قلق من إمكانيّة وقوع مجزرة جديدة خلال ساعات نومي القليلة. يُراسلني صديقي ليخبرني أنّ منزله تدمّر الليلة ولم يبقَ منه شيء. أعجز عن إيجادِ كلمةٍ أواسيه فيها، فأقول "بالمال ولا بالعيال". أنا أدرك، وهو متأكّد، أنّ خسارة المنزل لا تقلّ ثقلاً عن فقدان الأشخاص. أطلب منه بنهاية حديثنا أن يبقى قوياً، فيعتبرها مزحة سمجة ويردّد: "نحنا ما مننهار". نلعن الحرب والاحتلال معاً، ونلعن أدرعي وتغريداته، ونلعن العجز الذي يقتلنا… ونتجهّز لسيناريو يوم غد.