مفارقة المخلّص المنتظر
هل فكرت يوماً في أنّ استخدام الشخصيات الأسطورية الغيبية أو الأبطال الخارقين، وفكرة نهاية العالم والملاحم، قد لا تعدو كونها وسيلة لتحقيق السيطرة السياسية؟ أو أنّها قد تكون أداة لتدجين المجتمعات وتخديرها؟
شخصياً، سُحرت منذ نعومة أظفاري بالأبطال الخارقين وعوالمهم، من أساطير اليونان والرومان حتى أبطال هذه الأيام، أبطال هم أقرب إلى الملائكة منهم إلى البشر، يظهرون في اللحظات الحاسمة لإنقاذ البشرية وتخليصها من الشرور. لكن للأسف، في هذا العالم المليء بالقصص الخيالية للأبطال الخارقين والمخلّصين، بات من السهل على الأفراد العاديين من أمثالنا الوقوع في فخ الموقف السلبي، والخلود للسبات العميق في انتظار ظهور المخلّص المنتظر للانقضاض على الشرّ والأشرار وإنقاذ الموقف وإحقاق الحق وتحرير البشرية. وفي حين أنّ جاذبية الأبطال الخارقين الصالحين والمخلّصين المنتظرين لا يمكن إنكارها، فإنّ الافتتان بهذه الجاذبية يمكن أن تكون له عواقب عميقة، وقد تكون وخيمة في الحياة الواقعية، خاصة حين نكون أمام جاذبية غذّتها وعزّزتها السلطات تاريخياً باختلاف أشكالها، سياسية أو دينية، وحرّفت المفهوم لتعزيز سيطرتها وتخدير الجموع، من المسيح المخلص، إلى المهدي المنتظر، إلى المستبد العادل والقائد الضرورة، حتى نصل إلى سوبرمان وكابتن أميركا، ومن لفّ لفيفهم. في هذه المقالة، سأحاول إلقاء الضوء على مخاطر هذا الاعتقاد السلبي الذي يُزرع فينا منذ الصغر، وأهمية المشاركة النشطة لكلّ فرد لإحداث تغيير إيجابي دون الاتكال على فكرة المخلّص.
الأنبياء والأئمة المنتظرون والأبطال الخارقون الذين يحفل بهم عالم اليوم جميعهم شخصيات أسرت، وما زالت تأسر، خيال الملايين حول العالم. فهم كائنات نقية تمتلك قدرات خارقة، وقواعد أخلاقية ثابتة، مع تصميم ثابت على حماية الأبرياء. بينما يمثلون رموزا للأمل والإلهام في الوقت ذاته. وعلى الرغم من ذلك، يمكنهم أيضًا بقصد أو دون قصد، تعزيز السلبية بين معجبيهم والمؤمنين بهم. فأحد أشدّ المخاطر المركزية لسرديات المخلصين أو الأبطال الخارقين هو أنّها يمكن أن تخلق وهمًا بالعجز بين جمهورها مع استمرار تعريض الأفراد لقصص تنقذ فيها الشخصيات الخارقة الموقف دائماً، بحيث يمكن أن يقودهم ذلك إلى الاعتقاد بأنّهم كأفراد عاديين مجرّد أعداد زائدة عن الحاجة بلا حول ولا قوة، أفراد ضعاف يفتقرون إلى القدرة على إحداث أيّ تغيير يُذكر، وأنه ليس من المطلوب منهم تحريك ساكن أمام الظلم الذي يعايشونه كلّ يوم، ففي فصل الرواية الأخير سيظهر البطل الخارق أو المخلص أو الإمام المنتظر ليخلّص الأرض ومن عليها من شقائهم وعذاباتهم، وليملأ الأرض عدلاً ورحمة، بعد أن امتلأت ظلمًا وجوراً. وما علينا نحن البشر سوى الانتظار قليلاً، في ما يمكن أن نسميه تأجيلاً للمسؤولية أو تفويضاً لها، فعندما يتم إظهار الأبطال الخارقين أو الشخصيات الأسطورية على أنّهم "المختارون" المصمّمون لمواجهة الشرّ والظلم، ومسؤولية المواجهة تقتصر عليهم فقط. حينها، يتم في اللاوعي تعزيز فكرة عقلية المسؤولية المؤجلة، حيث ينتظر الناس ظهور شخصية بطولية لتخليصهم بدلاً من العمل على تحقيق التغيير بأنفسهم. وتمتد لعنة المخلص لتغدو جزءاً من بروباغندا بعض المستبدين في أيامنا هذه، حيث يقدّم كلّ واحد منهم نفسه على أنه "القائد الضرورة" والرمز التاريخي، أب الأمة ومخلّصها، الذي في غيابه لن يرى الناس سوى الفوضى والدمار، وأنّه وحده القادر على تحقيق الاستقرار وجلب الرخاء ولتذهب مؤسسات الدولة الحديثة، والديمقراطية، وحكم الشعب إلى الجحيم ما دام لدينا المنقذ "القائد الضرورة".
تمتد لعنة المخلص لتغدو جزءاً من بروباغندا بعض المستبدين في أيامنا هذه، حيث يقدّم كلّ واحد منهم نفسه على أنه "القائد الضرورة" والرمز التاريخي
ناهيك عن أنّ عوالم الغيبيات والأساطير وعوالم الأبطال الخارقين هي عوالم مآثر غير عادية ومغامرات خيالية، فإنّ الانغماس المفرط في هذه العوالم، وخصوصاً المتدثرة برداء الدين والمعتقد يمكن أن يطمس الخطوط الفاصلة بين الخيال والواقع، وهو ما يتسبّب في انفصال الأفراد عن مشاكل الحياة الواقعية، فلا تعدو فكرة المخلّص، أيّاً كان، كونها مخدّرًا يدفع الناس للتقاعس عن العمل والتهرّب من المسؤولية وتجنّب الاشتباك في الفضاء العام، ففي النهاية هذا سيكون دور المخلص أو البطل الخارق الذي أصبح جزءًا من عقيدة الكثيرين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم.
تأثير ثقافة الأبطال الخارقين والغيبيات والأساطير لا يمكن إنكاره، وأنا شخصياً من عشاق هذه العوالم، ولكن في حدود الترفيه لا أكثر، ولكن مع ذلك من الضروري أن ندرك أنّ لدينا القدرة على مقاومة الموقف السلبي وتحمّل المسؤولية تجاه عالمنا دون الحاجة لانتظار البطل الخارق المخلص. وهو ما يوجب علينا التحرّر من عقلية انتظار المخلّص، وتسليط الضوء على أهمية العمل الجماعي وقوة الأفراد والمجتمعات عندما تتحد معًا لإحداث تغيير ذي مغزى، من خلال مجتمعات تحتفل بأبطال الحياة الواقعية، وتسلط الضوء على الأفراد والمؤسسات الذين يحدثون تأثيرًا إيجابيًا في مجتمعاتهم، ما يدل على أنّ الأشخاص العاديين يمكن أن يكونوا أبطالًا أيضًا، إلى جوار تشجيع التفكير النقدي ومحو الأمية الإعلامية لمساعدة الأفراد على التمييز بين الخيال والواقع وفهم قيود ومخاطر الاعتماد على المنقذين الخارجيين.
في النهاية، سيبقى الأبطال الخارقون والمخلصون جزءًا أساسيًا من ثقافتنا وخيالنا، ولكن يجب علينا أن نخطو بحذر ونحن نتشرّب قصصهم وعوالمهم لتجنّب مخاطر الانغماس في السلبية والتهرّب من المسؤولية، فقضايا الحياة الواقعية تتطلّب إجراءات واقعية، ولا يمكننا إحداث تغيير دائم إلا من خلال الجهود الجماعية والاشتباك الإيجابي كأفراد ومجموعات في الفضاء العام.