مقاييس جمال الجسد... هل هي محورية فعلاً؟
ورد في كتاب "علم النفس بين العلم والخرافة"، لأدريان فورنهام وديميتروس تسيفيركوس، أنّ الجذابين يُعاملون بطريقة مختلفة من قبل الآخرين، ويحصلون على خصوصية زائدة، وعلى فرص أكبر في العمل وأصدقاء أكثر أيضاً، وهم محبوبون وموثوقون ويتلقون الكثير من المساعدة، كما يُرجَّح أن يصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم في المجتمع.
وقد ذكرت المصادر أنّ الرجال في المجتمعات القديمة كانوا يفضلون النساء بشعر أشقر طويل وخصر نحيل ونهود كبيرة مشدودة وعيون زرقاء، من أجل الخصوبة والتناسل؛ فهذه المقاييس حدّدت عمر المرأة في غياب التقويم الزمني، فكانت دليلاً على صغر سنّها، وبالتالي على كثرة خصوبتها.
لكنّ رجال العصور اللاحقة لم يدركوا سبب هذا الميل إلى هذه الصفات، فظهروا بذلك مقلدين لرجال المجتمعات القديمة، واليوم يقعون ضحية أقنعة السيلكون والعدسات الملونة والصباغ الأشقر؛ وذلك لأن وظائفهم النفسية الموروثة من الأسلاف تنجذب نحو هذه الصفات.
تصير فكرة الجسم الجميل أهم من الجسم السليم
وبناء على ميل الرجل إلى هذه الصفات، وتأثّر المجتمع ككل بهذا الميل، عُدّت هي الصفات المثالية أو الأجمل للمرأة في نظر كثيرين، ولذلك صارت المرأة تسعى جاهدة للحصول عليها كي تكتسب إعجاب المجتمع أولاً، والثقة بالنفس ثانياً، فازداد ارتياد مراكز التجميل والتنحيف ونحت الجسم من قبل الإناث.
إلا أنّ هذه الرغبات لديهن قد تتعدّى حدود المنطق لتصبح رغبة ملحة تسيطر على تفكيرهن وتوّجهه، فنجد فتيات كثيرات لا يرضين عن أشكالهن، حتى وإن كانت جميلة، ويسعين إلى التغيير بشتى السبل ومواكبة "الموضة"، متجاهلات الآثار الجانبية والأضرار التي قد تنشأ عن ذلك، فيتحملن الألم من أجل نتيجة ترضيهن.
وإن كانت السمنة إحدى أهم هذه التغييرات، فإننا نجدها تصل أحياناً إلى حدِّ المبالغة حين لا تكون السمنة مفرطة، حيث تقوم الفتيات بالتزام ريجيم قاس، غير منظم وغير متكامل، وأحيانا بشكل عشوائي يفتقر إلى الغذاء الصحي المتكامل، من أجل التخفيف من أوزانهن، فتظهر في ما بعد حالات فقر الدم ووهن الجسم والشحوب على الوجه، وتقل المناعة ضد الأمراض، وتصير فكرة الجسم الجميل أهم من الجسم السليم. وقد يصل الأمر ببعضهن إلى إجراء عمليات قاسية، كربط المعدة أو الأسنان لتكتفي بكمية قليلة من الطعام.
ازداد ارتياد مراكز التجميل والتنحيف ونحت الجسم من قبل الإناث، رغبة في إرضاء المجتمع
من هو المسؤول عن إيصال الفتاة إلى هذه الحالة التي لا تتقبل فيها جسدها ولا تحبّه، بل وتجرؤ على إيلامه من أجل الظهور بمظهر جميل يرغب فيه المجتمع؟ هل هي العائلة والوسط المحيط، أو الأصدقاء، الذين لا يكفون عن رمي التعليقات حول زيادة الوزن لها، أو هو الحبيب الذي لم يبادلها الحب أو الإعجاب لهذا السبب؟
كثيراتٌ هنّ من رُفضنَ من قبل الجنس الآخر، أو تعرّضن للتجريح من قبل الآخرين، بسبب سمنتهن، وحتى في مراحل الطفولة التي تفعل فعلها في النفوس، فإن تجاهلت الفتيات التلميحات والتجريحات حول سمنتهن في مرحلة عمرية ما، فإنّ هذا التنمر غالباً ما يبقى في ذاكرتهن حتى يكبرن، وكثيراً ما يصنع ردة فعلٍ متأخرة قليلاً، فيسعين إلى إنزال أوزانهن بأيّ طريقة، محاولات تعديل الصورة القديمة لهن، وإزالتها والتخلص منها باعتبارها الشكل الذي رفضه المجتمع، فتكون غايتهن استبدالها بصورة ترضي الناس وتمحو من ذاكرتهم الصورة القديمة التي قد تعتبرها الفتيات شكلاً غيرَ محبّذٍ لهنّ.
والمشكلة الأخرى حين يصل الأمر ببعض الفتيات إلى ردّات فعلٍ اجتماعية مبالغ بها دون أن يدركن أنهن قد تجاوزن الحدّ الطبيعي، فمثلاً لا يتناولن أي طعام من بيت أحد، ويرتدين مرغمات الملابس الفضفاضة والطويلة كي يغطين أجسامهن حتى لو كانت سمنتهن متوسطة، ومنهن من يلتزمْن المنزل ولا يخرجن منه كي لا يرى الناس شكل أجسادهن السمينة! كما أنهن لا يتوقفن عن مقارنة أنفسهن بأي فتاة ممتلئة، متسائلات: هل أنا أكثر سمنة منها أو العكس؟
من المؤكد أن للعامل النفسي دورا كبيرا في تخفيف الوزن؛ فحين تحقّق الفتاة التوازن بين رغبتها في تعديل شكل جسدها ورغباتها الأخرى، وتدرك أنّ سمنتها لا تجعلها في موقع الدرجة الثانية أو حتى الخامسة بين الناس، فإنها بذلك ستتناغم مع جسدها، وتحبه ولن تجور عليه، بل تبقى ثقتها بنفسها عالية لإدراكها أهمية مميزاتها الأخرى وقدراتها بعيداً عن الجسد.