ملف: هل يجب أن يقوم الرجل بأعمال المنزل؟ (31)
البشر بالعموم يعملون بهدف الحصول على المال من أجل تلبية حاجاتهم في الحياة، ولكن هناك من يرى أنّ العمل، وبعيداً عن المال، هو حاجة نفسية ويمنح شعوراً بالقيمة وتقدير الذات، ولكن ليست كلّ الأعمال يمكنها أن تعطي هذا الشعور، وإن فعلت فبنسبةٍ قليلةٍ جداً.
السلطة الذكورية بكلّ أشكالها تسعى بطرق مباشرة، وغير مباشرة، لترسيخ فكرة أنّ عمل المرأة "المقدّس" و"العظيم" هو في المنزل.
برأيي، من حق المرأة أن تعمل خارج المنزل طالما أنها ترغب في ذلك، وأيّ محاولة لإقناعها، ولو بالكلام، بأن عملها فقط داخل المنزل، هي شكل من أشكال العنف النفسي ومصادرة لأبسط حقوقها.
هناك من يقول إنّ "الأعمال المنزلية تحتاج إلى مهارات أنثوية"، وإنَّ الرجل لم يُصمّم ليمتلك مثل هذه المهارات، وغير قادر على اكتسابها مع الوقت من خلال التمرين لأسباب نفسية وبيولوجية، أو إنَّ "مثل هذه الأعمال هي من واجبات المرأة ولا علاقة للرجل بها"، وهناك أيضاً من يعتقد بأنّ الرجال الذين يساعدون المرأة في أعمال المنزل يفعلون ذلك نتيجة لضعف في شخصيتهم، أو لأنّ زوجاتهم فاجرات وهم لا يملكون الرجولة الكافية لردعهنّ.
بالنسبة إليّ، الواقع يثبت العكس، فأنا لديّ أصدقاء يتقاسمون أعمال المنزل مع زوجاتهم وينجزون تلك الأعمال بطريقة جيدة جداً. على سبيل المثال، أحد أصدقائي، وخلال 25 سنة زواج، ما زال يتقاسم أعمال المنزل مع زوجته، وحين تقاعد من وظيفته قبل زوجته، أصبح يقوم بمعظم الأعمال المنزلية، مع العلم أنه يتمتع بشخصية قوية وزوجته في غاية اللطف. أيضاً، لديّ صديق آخر كانت زوجته حين تلعب معه طاولة الزهر أو الشطرنج وتقول: الخاسر سيقوم بأعمال المنزل.. وفي كلّ مرة تخسر كانت تتهمه بالغش وتزعل، ومن أجل مراضاتها، ولأنه يحبّها، كان يقوم بأعمال المنزل بدلاً عنها، وحين يخسر كان يفعل ذلك أيضاً.
برأيي، إنّ الأنثى والرجل اللذين يقومان بالأعمال المنزلية معا يستحقان كثيراً من الشكر والتقدير والامتنان، لأنّ هذه الأعمال تستهلك الإنسان على الصعيد النفسي والجسدي ولا تضيف أيَّ شعور بالقيمة أو تقدير الذات، إضافة إلى أنها لا تُعتبر ممتعة إلا في حالات قليلة وعند بعض الأشخاص، كالطبخ وكي الثياب مثلاً.
قلائل هم الرجال الذي يعملون في المنزل وهم مقتنعون أنّ هذا واجبهم
بالطبع يوجد أيضاً أعمال خارج المنزل نقوم بها لا معنى لها، ولا تجعلنا نشعر بالقيمة أو تقدير الذات، وتستهلكنا نفسياً وجسدياً، والسبب الوحيد الذي يجعلنا نقوم بها هو الحصول على المال من أجل تأمين متطلبات حياتنا، ولو سألنا مجموعة من العاملين إن كانوا مستمتعين بالأعمال التي يقومون بها، لوجدنا أنّ غالبيتهم سيجيب "لا". أظنّ أنّ معظمنا يعمل عملاً لا يحبه كي يحصل على المال ليعيش ويقوم بأشياء يحبها وتمتعه، وقلائل هم الأشخاص الذين يكون لديهم عمل ممتع يحقّق لهم مردوداً مالياً جيداً ويجعلهم يشعرون بالقيمة وتقدير الذات.
في كلّ يوم صيفي أو شتوي هناك طبخ، جلي، تنظيف وما شابه.. سواء كنت بمزاج وصحة جيدة أو بالعكس. يا إلهي ما هذا التكرار الممل والمزعج والمنهك الذي لا ينتهي ولن ينتهي طيلة الحياة! ألا يوجد حل له؟ في الحقيقة، أنا ليس لديّ أيّ حل، ولكن وجود شخص أو عدّة أشخاص يشاركوننا القيام بذلك، قد يجعل الأمر أقلّ إزعاجاً وتعباً.
مما لا شك فيه أنّ الأنثى تعاني من الأعمال المنزلية أكثر من الرجل، الذي، وبحكم التربية والعادات والتقاليد، لا يشعر بأنه ملزم بالقيام بها، وفي حال فعل ذلك نتيجة لظروف مثل مرض الأنثى أو أنها حامل وما شابه، فسيكون عمله مؤقتاً وفيه تذمر، وبالطبع سيردِّدُ على مسامع شريكته عبارات مثل "أنا عم اشتغل بالبيت كرم أخلاق مني، لأن هيدي مو شغلتي" أو "هيدا شغل النسوان ومش حلوة بحقي إني عم اشتغلو" وغير ذلك الكثير.
قلائل هم الرجال الذي يعملون في المنزل وهم مقتنعون أنّ هذا واجبهم، ومن الطبيعي أن يقوموا به، سواء كانت شريكتهم في المنزل مريضة أو بصحة جيدة.
بحسب مفهوم العدالة والمساواة، إنّ كان الرجل لديه عمل خارج المنزل، فيجب أن يجرى تقاسم الأعمال المنزلية معه بعد عودته من العمل وتناول الطعام وأخذ قسط من الراحة والعكس صحيح، أما في حال كان الطرفان يعملان خارج المنزل، فيجب أن يتقاسما الأعمال المنزلية معاً مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة وظروف عمل كل منهما.
الأنثى والرجل اللذين يقومان بالأعمال المنزلية معا يستحقان كثيراً من الشكر والتقدير والامتنان
عشت في منزل ريفي مع أمي وأبي وأربع أخوات عازبات، لذا لم أضطر أبداً لأن أقوم بأي عمل منزلي بما في ذلك وضع الطعام لنفسي. وحين تزوجت آخر أخت لي، وبحكم أنَّ أمي كَبُرت في العمر، أصبحتُ أقوم ببعض الأعمال المنزلية في بعض الأحيان، واكتشفتُ أنّ الامر شاق ومُتعب وممل جداً.
اكتشفتُ أيضاً أنّ هناك أعمالاً في المنزل لا معنى لها ولا داعي للقيام بها، فحتى الآن لم أفهم لماذا عليّ أن أرتب سريري في غرفة النوم التي لن يدخلها أحد طالما أنني في المساء سأقوم باستعماله؟! أو لماذا عليّ أن أمسح الغبار عن الأثاث طالما أنّ الهواء في الخارج قويٌّ وممتلئٌ بالغبار، وسأضطر لإعادة المسح مرة أخرى في حال فُتح الباب أو الشباك؟! أو لماذا يجب أن تكون ثيابي مطوية ومرتبة داخل خزانتي الموجودة في غرفة نومي التي لا يمكن لأحد رؤية ما في داخلها إن لم يفتحها!؟
بعد زواج آخر أخت لي، رأتني أمي أطبخ وأجلي فلم يعجبها الأمر، وطلبت مني أن أتوّقف عن فعل ذلك، لأنه وبحسب تربيتها الدينية لا يجوز أن يقوم الرجل بأعمال مخصّصة للنساء، وبحسب تربيتها الأسرية والاجتماعية، سيكون من المعيب بحقي وحقها إن علم الجيران بما أفعله، ولكن بعد عدّة نقاشات معها (بوجود أخواتي) اقتنعت بأنّ الأمور تغيّرت عمّا كانت عليه في الماضي، ولم يعد المجتمع ينظر إلى الأمر على أنه غير لائق أو معيب كما في السابق.
ربما يتساءل أحدكم: هل كنتُ أتقاسم العمل مناصفة مع أمي؟ بالطبع لا، فأنا لديّ عمل صباحي وآخر مسائي، إضافة إلى أنّ أخواتي يأتينَ بشكل يومي لمساعدتها.
حسناً.. في حال تزوجت وكانت زوجتي غير ملتزمة بعمل خارج المنزل وأنا ليس لدي عمل مسائي، فهل سأتقاسم معها العمل المنزلي في فترة ما بعد الظهيرة؟ بالطبع سأفعل، ولكن في بعض الأيام، أقصد في معظم الأيام، قد لا أقوم بواجبي على أكمل وجه، لأنني بصراحة أمقت الأعمال المنزلية بشدّة، إضافة إلى أنه لم يجر تدريبي عليها في طفولتي، وكلّ ما تعلمت القيام به بعد زواج أختي نسيتُهُ، إضافة لكثيرٍ من الأسباب النفسية والجسدية التي ستمنعني من القيام بذلك.
حسناً، سأجيب عن السؤال مرة أخرى بعيداً عن كلّ هذه المبررات التي لا معنى لها، والتي يملك الرجال في مجتمعنا العربي الآلاف منها. نعم سأتقاسم مع زوجتي العمل المنزلي، وهذا لا يعني أنني رجل متحضر ورائع وداعم لحقوق المرأة وما شابه، بل سأفعل ذلك لأنني مقتنعٌ بأنّ هذا جزء من واجباتي، ومن مفهومي للمشاركة والحب وغير ذلك. الحب: هو أن تتشاركا معاً فرح الحياة وتعبها، بالطبع يحق لكم التشكيك بصحة ما أقوله بما أنني لم أتزوج بعد.