هل تخلّى المغرب عن فرنسا أم العكس؟
عبد السلام المساتي
في مقال له بجريدة لوبوان الفرنسية، كتب الكاتب الطاهر بنجلون، تعليقاً على زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للجزائر: "ماكرون يضحي بالتفاهم الجيّد مع المغرب، آملاً الحصول على امتيازات أفضل من العسكريين الجزائريين".
ليس وحده الكاتب، الطاهر بن جلون، من تحدّث عن الفتور الحاصل في العلاقات المغربية الفرنسية، بل إنّ الكثير من التقارير الإعلامية والمقالات الصحافية، المغربية والفرنسية على السواء، خرجت مؤخراً لتتحدث عن هذا الفتور الذي وصل حدّ التوتر، وهو ما عكسته القرارات السياسية والاقتصادية، وحتى التربوية والثقافية الصادرة عن الجانبين، أهمها رفض طلبات التأشيرات المقدّمة من طرف المغاربة للقنصليات الفرنسية، وأيضاً انسحاب أو طرد شركات فرنسية من المغرب، كشركة ليديك، المكلفة التدبير المفوّض للماء والكهرباء والتطهير السائل في مدينة الدار البيضاء، وأيضاً شركة سنطرال دانون التي باعت باقي أسهمها لتنسحب بشكل مطلق من بورصة الدار البيضاء... والأمر لم يتوقف هنا، بل تطوّر وامتدّ ليشمل القطاع التربوي، إذ شرّع المسؤولون عن قطاع التربية والتعليم بالمغرب في التخلّص التدريجي من اللغة الفرنسية لمصلحة اللغة الإنكليزية.
وبالعودة إلى جذور هذا التوتر في العلاقة بين البلدين، سنجده مرتبطاً بعدّة عوامل، منها:
أولاً: قضية الصحراء أو قضية المغرب الأولى، التي قال عنها الملك محمد السادس في خطاب سابق: "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم... هو المعيار الواضح والبسيط الذي نقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات". هذا لا يعني أنّ الموقف الفرنسي من قضية الصحراء قد تغيّر، ففرنسا ظلّت لعقود تمارس نوعاً من الحياد الإيجابي في شأن هذه القضية. لكن ما حدث أنّ المغرب انتقل إلى مرحلة أخرى في هذا الملف، وهي مرحلة الحسم التي انطلقت مع الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء، أي إنّ المغرب ما عاد يقبل بحياد الدول التي لطالما اعتبرها صديقة وشريكة، وعلى رأسها فرنسا وإسبانيا. لذلك، أصبح الخطاب الرسمي المغربي يحوي نوعاً من الشدّة تجاه فرنسا، رغبةً في دفعها إلى الخروج من المنطقة الرمادية والتعبير عن موقف نهائي وواضح في هذه القضية الحسّاسة جداً لكلّ المغاربة، لا للنظام فقط.
شرّع المسؤولون عن قطاع التربية والتعليم بالمغرب في التخلّص التدريجي من اللغة الفرنسية لصالح اللغة الإنجليزية
ثانياً: الحضور في أفريقيا، إذ تجاوزت الاستثمارات المغربية هناك 5.4 مليارات درهم سنة 2019، بعدما كانت فقط 907 ملايين درهم سنة 2007، وهو ما يشكل 47 بالمئة من مجموع الاستثمارات المغربية في الخارج. هذا الحضور القوي للمغرب في أفريقيا (غرب أفريقيا بالخصوص)، أصبح يشكل نوعاً من الإزعاج لفرنسا التي لطالما اعتبرت المغرب امتداداً لمستعمراتها الأفريقية، فكيف لها أن تقبل بأن يصبح منافساً لها، خاصة أنّ المغرب يلقى نوعاً من القبول المرتبط بالامتداد الديني والروحي للمغرب ببعض هذه الدول. والحقيقة أنّ تراجع الحضور الفرنسي في العديد من الدول جنوب الصحراء، سببه الرئيس رغبة هذه الدول في التخلّص من العبء الثقيل لفرنسا، وهو ما تأكد سنة 2019 عبر قرار ثماني دول هناك التخلّص من عملة الفرنك الأفريقي واستبدالها بعملة مستقلة عن فرنسا، رغم الصعوبات التي ما زال يواجهها هذا القرار.
طبعاً يمكن أن نضيف إلى هذين العاملين عاملاً ثالثاً مرتبطاً بغيرة فرنسا من التقارب المغربي الأميركي الذي كانت بدايته اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمغربية الصحراء، وجرت تزكيته عبر توقيع مذكرة تفاهم بين شركة تمويل التنمية الدولية للولايات المتحدة الأميركية والمملكة المغربية، التي كان الهدف من خلالها تشجيع الاستثمارات الأميركية في المغرب.
قد يبدو من خلال كلّ ما قلناه، أنّ المغرب هو مَن قرّر التخلّي التدريجي عن فرنسا، إلا أنّ عودة العلاقة إلى طبيعتها قد لا تكون بتلك الصعوبة، إذا ما قرّرت فرنسا الاعتراف بمغربية الصحراء عبر بيان واضح بعيد عن لغة الحياد.