هل سنشهد زلزالاً سياسياً في الانتخابات التركية؟
ما زالت تركيا تحت كارثة الزلزال العنيف الذي ضرب جنوبيّ تركيا وشماليّ سورية، فنحن أمام زلزال يقدّر حجم الطاقة المنبعثة منه بما يعادل 500 قنبلة نووية حسب بعض المراقبين. ولهذا السبب كانت الخسائر المادية والبشرية ضخمة، إذ لم تشهد تركيا كارثة بهذا الحجم منذ مئة عام.
وكلّ هذا الدمار والأسى لم يستطع تغيير عقلية المعارضة التركية التي بدأت بعض أحزابها باستغلال الكارثة الطبيعية استغلالاً سياسياً للوصول إلى السلطة منذ الأيام الأولى، حيث سمعنا العديد من رؤساء المعارضة ينتقدون أداء الحكومة المتمثل بحزب العدالة والتنمية انتقاداً لاذعاً، مصحوباً بمنشورات مضلّلة وإشاعات تستهدف دوائر الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكلّ هذه الإرهاصات والحركات من قبل المعارضة التركية، هدفها تأجيج مشاعر الشعب التركي وتوجيهها ضد حزب العدالة والتنمية، بهدف إسقاطه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي تقول المعارضة إنّها مصرّة على عقد الانتخابات في وقتها المحدّد، متناسية الوضع الإنساني الكارثي في عشر ولايات تركية.
ضمن هذا السياق، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو إن "الانتخابات ستعقد بموعدها دون تأجيل"، فيما قالت رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنير، إن "عقد الانتخابات في الرابع عشر من مايو/ أيار صعب للغاية، والأفضل عقدها بموعدها في الثامن عشر من يونيو/ حزيران، ولا يمكن تأجيل الانتخابات إلا بحالة الحرب حسب الدستور التركي".
وأما السياسي المتقاعد، بولينت أرينج، والمحسوب سابقاً على حزب العدالة والتنمية، فقد قال: "لا يجب عقد الانتخابات، لا في شهر أيار ولا حزيران، يجب تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر، هذا شيء ضروري وليس اختيارياً".
بدأت بعض أحزاب المعارضة التركية باستغلال الكارثة الطبيعية استغلالاً سياسياً للوصول إلى السلطة منذ الأيام الأولى
وكان ردّ مسؤول الانتخابات في حزب العدالة والتنمية، علي يافوز، على المعارضة التركية بقوله: "الشغل الشاغل للحكومة الآن هو إنقاذ الأرواح، وإلى الآن لم نتكلم بأي كلمة عن الانتخابات".
نعم إلى الآن لم نسمع تصريحاً رسمياً من الحكومة التركية، بشأن إمكانية تأجيل الانتخابات، فهي تعمل على قدم وساق لتخفيف آثار هذه الكارثة البيئية المدمرة.
أما إذا نظرنا للوضع من وجهة نظر قانونية، فالأمر معقد جداً، حيث يحق للدولة تأجيل الانتخابات في حالة الحرب فقط حسب الدستور التركي، وهذا ما قاله الحقوقي البروفيسور أرسان شين، حيث أضاف قائلاً: "تستطيع الدولة تأجيل الانتخابات بحالة أخرى، وهي عرض موضوع التأجيل على مجلس البرلمان التركي وقبوله من قبل أربعمائة نائب تركي مؤيد ومعارض"، وأعتقد قبول هذا القرار من قبل أربعمائة نائب تركي صعب للغاية في الوقت الحالي، بسبب الرفض التام للمعارضة التركية.
والبعض من الصحافيين الأتراك المخضرمين، قالوا إنّ الدستور ليس وثيقة إلهية، والضرورات تبيح المحظورات، ويجب تأجيل الانتخابات بسبب هذا الزلزال، حيث تضرّر الملايين من الزلزال، بالإضافة إلى دمار البنى التحتية لعدّة محافظات. فكيف سيشارك ضحايا هذه المناطق في الانتخابات بعد تهدّم البيوت وضياع الأوراق الثبوتية الرسمية، بالإضافة إلى الوضع النفسي الصعب للمتضرّرين؟
المعارضة التركية تطبّق المثل الذي يقول: "إذا هبّت رياحك فاغتنمها"، ولكن الشيء الذي لم تلاحظه المعارضة، أنّ الحكومة التركية أبلت بلاءً حسناً، بغضّ النظر عن وجود بعض التقصير، حيث سخّرت الحكومة كلّ أجهزة الدولة لخدمة المواطن التركي، إضافة إلى تخصيص خمسة مليارات ونصف مليار دولار، لخدمة ضحايا الزلزال. كذلك وعد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ببناء المباني خلال سنة واحدة فقط وتسليمها لأصحابها، وأعتقد أنّ الشعب التركي يعرف جيداً من يعمل، ومن يتكلم فقط في وقت الأزمات، وهذا الشيء قد ينعكس إيجاباً على حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات الرئاسية، سواء تأجلت أو لا.
من الغريب إصرار المعارضة على عقد الانتخابات بموعدها، وهي إلى الآن لم تعلن عن مرشحها الرئاسي!
من وجهة نظري، إنّ الشعب التركي يعرف حق المعرفة أنه لو كانت المعارضة هي التي تحكم خلال وقوع الزلزال لكانت المأساة أكبر والضحايا أكثر بسبب قصر نظر المعارضة في مرافق الدولة كافة. فهم انتقدوا دائماً سياسة بناء المشافي الحديثة في تركيا وبناء الجسور والطرق التي تقلّص المسافات بين الولايات، وانتقدوا أيضاً التقارب التركي العربي، هذا التقارب الذي كان سبباً لإرسال الدعم المادي والمعنوي من أغلب الدول العربية، حيث راوحت المبالغ المرسلة من الدول العربية حوالى 325 مليون دولار، بينما الدول التي تسمّي نفسها الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فكان المبلغ حوالى 92 مليون دولار فقط.
وبالإضافة إلى ذلك، شاهدنا في مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع التي توثق غضب المواطنين الأتراك من بعض رؤساء المعارضة التركية، ما دعاهم إلى مغادرة الموقع فوراً، مثل رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، ورئيس حزب النصر، أوميت أوزاغ، المعروف بعنصريته تجاه اللاجئين. والغريب بالموضوع، إصرار المعارضة على عقد الانتخابات بموعدها، وإلى الآن لم تعلن مرشحها الرئاسي!
وبسبب قصر نظر الواقع السياسي والخدمي للمعارضة التركية، أعتقد أن الشعب التركي سيصوّت لحزب العدالة والتنمية إن تأجلت الانتخابات أو لم تتأجل، لأن المعارضة متفقة فقط على دحر أردوغان، لا على إدارة الدولة.