هل يرى السوري النور قبل الموت؟
أحداث متلاحقة تتداعى على السوريين، تحملُ بين ثناياها مشاهد قاسية، بدءاً من النزوح الداخلي وحتى اللجوء الخارجي، مروراً بالموت غرقاً في البحر أو الغابات، وليس انتهاءً بالزلزال الأخير المدمّر.
الحمد لله أنني، حتى الآن، ما زلت أتنفس، هذه حصّتي في الدنيا. لكنّي والله لست بخير، لأنّ كلّ من حولي ليسوا بخير؛ فمن نجا من القصف لم ينجُ من الخسف والهدم، تعدّدت الأسباب والموت واحد، فإلى متى سيستمر هذا الحال، ونحن إلى أين؟
في ثنايا حوار ودّي مع صديق، تطرّقنا فيه إلى المصائب التي تتساقط على السوريين من كل حدب وصوب، مصائب بالجملة، أهوال متعدّدة.. وليس من المبالغة، ربما، أن نقول إنها لم تصب أحداً من قبل؛ حيث يقول صديقي، إننا في سني المراهقة، كنا نستمع إلى أغاني حماسيّة مثل "أنا سوري آه يا نيالي"، كنّا ننتشي منها عزّة وأنفة، لا أدري لماذا كان هذا الشعور يطغى علينا، أهو اعتداد بسوريتنا فعلاً؟! أم هي مشاعر مبتذلة مستخلصة من إخفاقات على مستوى المصير والانتماء والضمير؟!
يتابع صديقي قائلاً: انظر إلى حالنا اليوم. كيف وصلنا إلى أرذل وأذل ما يكون، نحن اليوم متجهون نحو مصير مجهول، وهناك وصمة عار تلاحقنا لمجرّد أننا سوريون. "أنت من سورية"، "يا سوري يا مشرّد"، "سوري لاجئ"... عبارات نقرأها ونسمعها على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا عدا عن العنصرية التي نتعرّض لها من هنا وهناك.
من نجا من القصف لم ينجُ من الخسف والهدم، تعدّدت الأسباب والموت واحدُ
يستمر صديقي بالاسترسال في وصف الأحداث وعنونتها تحت عناوين مؤلمة وقاسية، وكأنه يتفنّن في انتقائها، في حديثه شعور بالانهزام، هو شعور متجذر في ثنايا أنفاسه، ويصل إلى حدّ جلد الذات. يقول لي: يا أحمد أصبحت أخجل من مسمّى "سوري"، ليس رغبةً منّي، لكن على قدر ما لمستُ من أذى من هذا التصنيف القميء من جهة، ولأنّ هذا قدرُ السوري في الشتات والمهجر من جهة ثانية.
يا صديقي، أشعرُ بأنّنا في تيه كبير يشبه تيه بني إسرائيل، اثنا عشر عاماً، ويبدو أننا مقبلون على ضعفها من السنين أو يزيد، حتى نصل ونعيش حلماً بدأناه بالكرامة والحرية، هذه الحريّة المفقودة، التي دفعنا ثمنها عدّة مرّات بتكاليف باهظة وعالية، ولم ننلها إلى الآن، نخرجُ من نفق وندخل في آخر أشدّ ظلمة وسواداً، فمتى يا صديقي، متى نرى النور؟! أو لنقل: هل سنراه قبل الموت!