يا أطفال سورية.. كونوا شيوخاً
كنت أنتظر دوري في صالون الحلاقة، عندئذ دخل رجل ومعه طفل صغير، فلاحظت خصلة شعر بيضاء في رأسه، فتذكرت قوله تعالى: (يوماً يجعل الولدان شيباً). أراد الله عز وجلّ الإنذار بهول ذلك اليوم أنه يشيب من لا يشيب. وفي العرف الشيب بين الناس لكثرة ما يرون من الأهوال والمآسي.
بعد معاينة المدارس من قبل لجان السلامة الإنشائية في محافظة اللاذقية إثر زلزال (6 فبراير/ شباط)، تبين خروج عدد من المدارس عن العملية التربوية. وقد بلغ عدد الطلاب الذين قضوا (143) طالباً، وحوالي (70) مدرساً من الكادر التعليمي والإداري، وتيتّم (17) طفلاً بفقدان والديهما.
إن تضرر هذه المرافق التربوية، وعدم ذهاب الأطفال إلى المدرسة، خاصة كونها غير آمنة، خلّف أضراراً نفسية وجسدية، مما فرض سلوكيات على الأطفال، كالخوف، والبكاء المستمر، وعدم رغبتهم بالنوم في البيت، وكذلك العودة إلى المدرسة، فعندما تجالس الأطفال وتتحاور معهم، تشعر وكأنك تتحاور مع خبراء زلازل وأبنية. فالطفلة إيلا ذات الأعوام الخمسة تقول: "بيتنا طابق أول من البناية.. ما بيخوف"، ليردّ عليها يمان: "عنّا بالضيعة بيتنا أرضي.. أقوى".
كل طفل لديه قصة، طفل يصف كيف خرجت أمه وأبوه من المنزل من دون أحذية، وهما يحملانه، والطفل يسجل تلك الواقعة لحظة بلحظة، ويمثلها بألعابه وسلوكياته.
أما في زمن الزلزال، رافق الأطفال سلوكيات جسدية ونفسية، منها طفل يحمل حقيبة صغيرة تنام معه، وطفل آخر يحمل صفارة إنذار لينذر بها أطفال الحيّ
هؤلاء هم أطفال سورية، لم يفارقهم الألم والحزن والبكاء، منذ سنوات الحرب العشر إلى الآن. ففي فترة الحرب، كانت تعلو أصوات الانفجارات التي تتعرض لها المناطق الآمنة وغير الآمنة للقصف. كان الخوف والرعب هو السائد لديهم، حتى في ألعابهم، وعندما يقرر الأهل شراء الألعاب للأطفال كانوا يختارون اللباس المموّه، والسيارات العسكرية...الخ. وبالرغم من المآسي والأهوال، فازت الطفلة شام البكور التي فقدت والدها في الحرب "بتحدّي القراءة" في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2022، وحققت حلمها الفردي.
أما في زمن الزلزال، رافق الأطفال سلوكيات جسدية ونفسية، منها طفل يحمل حقيبة صغيرة تنام معه، وطفل آخر يحمل صفارة إنذار لينذر بها أطفال الحيّ، وآخرون يتسلقون الشجرة فيهز أحدهم الشجرة فيبدؤون بالصراخ والضحك قائلين "زلزال.. زلزال.. اهربوا"، وطفل آخر يراقب كأساً من الماء، وآخر يراقب تفاحة علّقها والده في السقف. والطفل ربيع شاهين يتيم الأب يحلم بلقاء اللاعب البرتغالي "كريستيانو رونالدو" ليتحقق حلمه الفردي.
إنّ حلم ربيع تحقق، لكن نحن السوريين من سيحقق حلمنا في بناء الوطن عموده الفقري القانون، والتنمية، وعلاقات عربية خليجية تحقق تنمية اقتصادية وسياسية، كما كان في الماضي، ونحلم بتفعيل اتفاق قمة الخرطوم (29 أغسطس 1967) والذي ينصّ على دعم الدول العربية في مواجهة العدو الإسرائيلي. وخصوصاً سورية اليوم والتي تتعرض بشكل دائم للعدوان، وآخره قصف مطار حلب الدولي في (7 مارس/ آذار)، والذي أسفر عن أضرار وإخراج المطار عن الخدمة، وخدمة المتضررين من الزلزال.
نحلم أن يبقى العمق العربي هو الضامن لوحدة وقوة سورية.
في الماضي، كان الشيب دلالة على الوقار والهيبة والحكمة والحب والغزل، كان ملهماً للشعراء، ومغنى للمغنين فقد غنى الفنان ناظم الغزالي "عيرتني بالشيب وهو وقار... ليتها عيرت بما هو عار"، والفنان وديع الصافي "أديش حلوة هالشيبة، بتنقط حسن وهيبة".
وأما في الوقت الراهن دلالة على العجز والمآسي والأهوال التي مرّ بها الشعب السوري، ووصل إلى أن يصرخ: "هرمنا يا ناس.. هرمنا يا ناس.. هرمنا".
وأخيراً قال تعالى: (ثم لتكونوا شيوخاً)، يا أطفال سورية، لتدعوا للأطفال والطفولة في كل أنحاء العالم ليحلّ الفرح والسلام على الأرض، كما قال الشاعر والبرلماني السوري بدوي الجبل:
ويا ربّ من أجل الطفولة وحدها
أفضِ بركات السلم شرقاً ومغرباً
وصُن ضحكة الأطفال يا ربّ إنها
إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا