سورية... رمضانها بخيل
أجرت الصحافية اللبنانية، جزيل خوري، في عام 2018 لقاءً على قناة BBC ضمن "برنامج المشهد" مع عالم السرطان اللبناني، فيليب سالم (مؤسس مركز أورام سالم في هيوستن في الولايات المتحدة الأميركية). وطلبت منه مشهداً مؤثراً في حياته. حدّثها عن علاجه لمريض مصاب بالسرطان عمره حوالي خمسة وعشرين عاماً في فترة الحرب اللبنانية عام 1975، وكانت حالته صعبة جداً، حيث كان المريض يسأله دائماً عن مدة انتهاء العلاج، فيردّ عليه سالم: "رمضان كريم". وفي لحظة اضطر العالم للخروج من لبنان بسبب ظروف أمنية سيئة. ثمّ، وبعد مضي سنوات طويلة عاد إلى لبنان، وأثناء نزوله من الطائرة أوقفه شخص، عمره بالخمسين تقريبا، وسأله: "ألم تعرفني يا دكتور؟"، أجابه: "لا"، فقال المريض: "أنا رمضان كريم". وانتهى المشهد بالبكاء من شدّة الفرح وشدّة الحزن، الفرح لبقائه على قيد الحياة رغم حالته الصحية الصعبة، والحزن على الظروف التي أدّت إلى الانقطاع عن المريض فجأة.
نحن في سورية، بدأ شهر رمضان بتغيير التوقيت للدوائر الرسمية، وأهمها وزارة التربية، وهي سابقة بتاريخ الوزارة أن يتغيّر توقيت الدوام الصباحي من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة، والاختصار من وقت الحصة، علماً أننا نعيش ظروفاً تعليمية صعبة جداً، خصوصاً أنّ الفاقد التعليمي كبير ومتكرّر منذ سنوات، وخصوصاً سنوات الحرب العشر التي أدّت إلى تدمير المدارس، وفقدان كوادر تعليمية. وهناك أيضا، وباء كورونا وانقطاع الطلاب مدة زمنية طويلة، ثم جاءت الكوارث الطبيعية كالزلزال الذي ضرب البلاد في 6 شباط/ فبراير، حيث كانت نتائجه كارثية على المؤسسات التعليمية، وتجلّى ذلك بشكل خاص في انقطاع الطلاب لمدة شهر كامل. واليوم قبل العيد تعطلّ المدارس عشرة أيام كاملة لتزامن الأعياد، فيما نحن بأمسّ الحاجة إلى كلّ ثانية ودقيقة وساعة لنعوّض الفواقد التعليمية، وهذا السلوك أدّى إلى التشجيع على الدروس الخاصة والمعاهد غير المرخصة. وهذه العملية التعليمية تكلّف الأسرة السورية آلاف الليرات، ما دفعها إلى بيع الأملاك من سيارة أو منزل أو أرض أو مصاغ.
الوقت معلم من لا معلم له، وسورية تعيش في وقت عصيب ويجب علينا أن نتعلم احترام الوقت والعلم والعمل
نعود إلى الوقت والتوقيت، حيث كان بدأ العام بقرار عدم تغيير التوقيت (تقديم الساعة أو تأخيرها)، وهذا القرار خلق مشاكل تربوية كثيرة، أهمها: تأخر المدرسين عن المدرسة، وخصوصاً المدرّسات اللواتي يتحرّكن في وقت مبكر جداً، حيث تطلب المدرّسة من زوجها إيصالها إلى موقف الباص، وأخرى يمرّ زوجها ولا يعرفها من شدّة الظلام، وآنسة أخرى تعود إلى المنزل بسبب الكلاب الشاردة، وأخرى لا تملك أجوراً كافية لتوقف تكسي، وأخرى تقضي أيامها بإجازات إدارية وصحيّة.
الوقت من دم وذهب، الوقت رأسمال الإنسان، وإضاعة الوقت أشدّ من الموت. الوقت معلم من لا معلم له، وسورية تعيش في وقت عصيب ويجب علينا أن نتعلم احترام الوقت والعلم والعمل.
إنّ رمضان سورية بخيل بالعلم، بخيل بالوقت، بخيل بمستوى الدخل وموائد الإفطار وموائد السحور. وتبنى الأوطان باحترام الوقت ووضع الخطط والبرامج وبناء الأكاديميات العلمية والاهتمام بالأبحاث العلمية. وكما قال الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام.