أصدقاءنا الشبيحة: نحن نحلم لأجلكم أيضاً
في مواقف عدة، وبعد جرائم مختلفة، قلت إنني لم أعد مستعدا حتى للتعامل مع شخص يدافع عن القتلة، لن أستطيع استقباله في بيتي. ومع ذلك، فإن معظم أصدقائي الذين خسرتهم، خسرتهم لأنهم بادروا إلى ذلك أو طلبوه. لم أتجرأ على أن أنهي علاقتي مع أصدقاء سابقين يشتمونني إذا رأوني في مظاهرة مناصرة للثورة السورية مثلا. كنت دائما وكأنني أنتظرهم أن يفعلوا ذلك، وأحب أن يفعلوه.
في مثل هذا الاصطفاف، ولأنني لست ممن ما زالوا يؤمنون بمقولات الحق والباطل الكبرى، والفاصل الواضح بينهما، كنت أدرك أن من وقفوا مع الأنظمة، وكتبوا وخرجوا في مظاهرات من أجلها، ليسوا وحوشا، مع أن معظمهم يرى في كل مناصر للثورة ذلك. بدلا من هذا، كنت أشعر بأسى حقيقي، عندما أرى أصدقاء مناضلين وصادقين، قدموا شبابهم في سجون الاستعمار، وتشاركنا معهم بكل صغيرة وكبيرة، من جلسات المقاهي إلى الحلم بتغيير العالم، يقفون في صف المجرم.
بَنت الثورة، وبنى إيماننا بها، حياتنا بطريقة جديدة، وصار لنا أصدقاء جدد. لكن الغصة بقيت موجودة. أخيراً، شعرت أن أساس الاصطفاف بيننا، كان حلما صادقا وحقيقيا، لكنه لم يتحقق، وجاءني إحساس أن العلاقات الإنسانية لا يجب أن تتصل بكل هذا الصراع. هذا لأننا آمنّا بالناس، وآمنوا هم بالتحليلات الكبرى التي لا مكان للناس فيها.
لاحقا، بعد أن راسلت جزءا منهم ربما، أدركت أن الفرق بيننا صار أكثر من فرق في مواقف. من خلال هؤلاء الأصدقاء أو الزملاء، نكتشف أن إيماننا بالحوار والحق به، لا يكفي من أجل أن تستطيع الجلوس مع شخص يدافع عن سفاح. قلت: لمجرد أن نسلم عليهم، صرنا نشعر بأننا شركاء في الجريمة، فكيف يشعر من يدافع عن مرتكبها؟
قالوا إننا خنّا الفكرة، وقلنا إنهم خانوا فرصتها الوحيدة التي نادينا لأجلها معاً. لكن هذا ليس الأهم. الأهم أننا أدركنا متأخرا ربما، أن الفرق بيننا لم يعد فرقا في الرؤى. فهمنا أن من وقف مع الناس، سيشعر بأسى تجاه أي علاقة إنسانية، لكن من حمل طوال الوقت أفكارا مجردة منهم، لن يملك نفس الإحساس.
أدركت أن الفرق بيننا قديم، وليس طارئا. جعلتنا الحياة هنا وجعلتهم هناك. مع ذلك ما زلت أشعر بأنني خسرت شيئا خاصا في حياتي. وصار للقضية التي أؤمن بها سبب إضافي. سأقول الآن، إننا حلمنا بالحرية وببلاد لا استبداد فيها، يا أصدقاءنا الشبيحة، من أجلكم أيضا. من أجل بلاد بلا مجرم تصطفون معه ونقف ضده، فنفترق، وبدون مواقع جاهزة ومهيَّأة فيها لكم كي تفعلوا ذلك، فنضطر أن نكرهكم.