صدرت حديثاً ترجمة لكتاب "الخمّ والنرجس.. حاسة الشّم والخيال الاجتماعي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" الذي وضعه المؤرخ الفرنسي آلان كوربان (1936)، أحد أبرز من اهتم بـ التأريخ للحواس وعلاقتها بالتغيرات السوسيولوجية والثقافية في هذه الحقبة التي تخصّص وانهمك فيها بالتحديد.
الكتاب، وفيه يتعامل المؤرخ مع القرن التاسع عشر بوصفه منعطفاً في التعامل مع ما تدركه وتستقبله وتسمح به حاسة الشم، معتبراً أن عتبة الشم ارتفعت، وازدادت الحساسية كثيراً للروائح الكريهة عما كانت عليه في القرون السابقة.
يرى الكاتب أن رفضنا لروائح مختلفة لا يأتي كنتيجة لتطور الأدوات التي نملكها وحسب (العطور ومزيلات العرق) بل إنه يعكس ما أطلق عليه "الثورة الشمية"، والتي بدأت في التكون مع أول الاكتشافات العلمية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
ومع نهاية القرن التاسع عشر، وفقاً للكتاب، وتحديداً مع انتصار نظرية لويس باستور ومع التركيز والتحليل لكل ما كان يبدو طبيعياً وخاصاً من قبل، بدا أن الرائحة هي بنية اجتماعية تطورت خلال القرن التاسع عشر.
يدافع الكاتب عن فكرة أن ثورة بطيئة وغير خطية بدأت تلوح بالتوازي مع صعود الطبقات الوسطى والبرجوازية في السياسة والاقتصاد على حساب الطبقة الارستقراطية، مؤكداً أن جسد الفرد هو جزء لا يتجزأ بل وينعكس على الجسد الاجتماعي، ويدلل على ذلك بدخول الجسد في المنظومة الصحية العامة على سبيل المثال.
ما لا يعرفه كثيرون أن كوربان استلهم كتابه هذا الذي نشره عام 1982، والذي يعتبره كثيرون كتابه المرجعي، بعد أن انتهى من مؤلفه الأول "بنات الليل: البؤس الجنسي والبغاء في القرن التاسع عشر" (1978)، وقد اكتشف أن هناك قائمة طويلة من التعريفات الشميّة التي تصف بنات الليل. ومن هنا انطلق المؤرخ للبحث في الروائح وتاريخها عند الطبقات.
لكوربان كتب في تأريخ ما لا يخطر لكثيرين أنه يحمل تاريخاً، أموراً من قبيل الظل والمطر والصمت، وقد أصدر عشرات الكتب أحدثها الذي صدر مطلع هذا العام بعنوان "التاريخ الغائب للمطر".