صدر حديثاً كتاب "الحرية والعنف" للأكاديمي الفلسطيني جورج زيناتي (حيفا 1935) ضمن سلسلة "ترجمان" التي تصدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات".
الكتاب هو بحث يبنيه زيناتي مستكشفاً علاقة الإنسان بحريته، ويأتي في قسمين؛ الأول بعنوان "الحرية بوصفها بحثًا عن المطلق"، ويتكوّن من ثلاثة فصول، أما الثاني فبعنوان "الحرية والعمل" وهو في ثلاثة فصول أيضاً.
يقول زيناتي في الفصل الأول، في "البدء كان النطق (الكلمة)"، إن "المادة تعقّدت إلى حدها الأقصى، "كي تصنع منا الذوات الفاعلة الناطقة، لكن إن كانت اللغة تؤسس أصل كينونتنا، فإنها لا تجعل منا مجرد موجودين مركبين منجزين تماماً، فنحن لسنا بكلمة تحققت بكامل أمنياتها". بحسبه، فإن تحقيقنا الكلمة التي هي نحن كمهمة أوكلت إلينا هو عمل صعود وارتقاء، وفي نهاية هذا التفوق على الواقع وتحجره، يصبح الفرح والحرية مترادفين.
في الفصل الثاني "الحب والحرية بوصفهما بحثاً عن المطلق"، يرى المؤلف أن الحب تجربة فلسفية كبيرة، "تجعلنا نعي تمزقنا وبؤسنا، وتجعلنا نبحث عند الطرف الآخر عن وحدتنا وكمالنا. غير أن الحب لا يتم إلا من خلال تجل للشهواني وللعالم وللأنا، حيث يصبح كل شيء براءة تصرخ: كل شيء ’حسن وخير‘. هناك إذًا طريق، ليست بالضرورة معرفية، تقودنا إلى الحرية، وهذه الطريق هي التي يتبعها إيروس في هذيانه".
يبحث زيناتي في الفصل الثالث "الحرية بوصفها معرفة للمطلق"، في الحرية عند سقراط وأفلاطون وأرسطو وديكارت وسبينوزا وكانط وهيغل. يقول: "الحرية التي يمكن أن ندعوها روحية لديها ثابتة: إنها المعرفة – وليست أي معرفة، بل المعرفة الأخيرة - هي التي تجعلنا أحرارًا، ونحن إن نظرنا إلى تأثيرها، تصبح هذه المعرفة سعادة. وهذه الحرية هي في جوهرها تأملية، أي إنها بمعنى ما تخشى الممارسة والعمل. ما تبغيه في الواقع هو الوصول إلى المطلق، أي إلى الكلمة كأصل".
في الفصل الرابع وهو بداية القسم الثاني، يتناول الكاتب "الحرية والمسؤولية"، ويؤكد استحالة تأسيس الحرية على الممارسة العملية، "ذلك أن حرية الالتزام في العمل تفترض مسبقًا وجود حرية تحرر بواسطة التفكير المجرد، وهذا ما يقودنا من جديد نحو الحرية الروحية، حتى وإن أطلقنا عليها تسمية أخرى".
يجد زيناتي في الفصل الخامس "في البدء كان العمل والعمل كان عنفاً"، أن الحرية حين تدخِل العمل إلى مضمارها، "تدخِل وسيلة ناجعة وفعالة لإنجاز المثل الأعلى الذي تضعه هدفًا لها، لم ير النور بعد ولا يزال مجرد مشروع بعيد، وطموح أقرب إلى الحلم، ليس علينا أن نتبعه بل أن نتابعه مدة قد تمتد وتقصر، هنا تصبح الحرية حرية تبحث عن نفسها، تتلمس طريقها ولا ندري إلى أين قد تصل، ذلك أن إرادة النجاح هنا تسير وسط معمعة العمل المتغير والأهواء المتقلبة، وعليها أن تتحلى بكثير من الصبر والأناة".
في الفصل السادس والأخير "الحرية والفاعلية"، يقول زيناتي إن مفهوم الفاعلية، حين يوضع في خدمة مثل أعلى مهما كان نبيلاً، يشكل خطورة كبرى؛ فهو في أغلب الأحيان لا يترك وراءه سوى الخراب، فهو خادم جيد غير أنه غاية في السوء.
يضيف: "لا يكفي إذن أن يكون المثل الأعلى الذي تريد الحرية أن تخدمه نبيلاً كي تكون لدينا ضمانة أكيدة بنبل الوسائل المستعملة، ذلك أننا غالباً ما نشاهد انقلاباً في الأدوار؛ فبدلاً من خدمة المثل الأعلى، يُستخدم لهدف آخر. ويصبح المثل الأعلى الذي كان حافز الجماهير وسيلة قمع. ما كان يمارس دور الغاية بات يمارس دور الوسيلة".