"تشريح النقد: أربعة مقالات" كتاب صدر أول مرة للناقد الأدبي والمنظّر الكندي نورثروب فراي عام 1957، عن "منشورات جامعة برينستون"، وهاهي الجامعة تستعيده اليوم وتصدره في طبعة جديدة، لتذكّر بمحاولة الكاتب صياغة نظرة شاملة لنطاق النقد النظري والمبادئ والتقنيات المستمدّة حصريًا من الأدب.
كان النهج الأدبي الذي اقترحه فراي (1912-1991) في كتابه هذا مؤثّراً للغاية في العقود، التي سبقت ظهور النقد التفكيكي وتعبيرات أخرى لما بعد الحداثة، في الأوساط الأكاديمية، في ثمانينيات القرن الماضي.
بدأ فراي الكتاب بـ "مقدمة سياسية"، كان الغرض منها الدفاع عن الحاجة إلى النقد الأدبي، وتمييز طبيعة النقد الأدبي الحقيقي عن أشكال النقد الأخرى، وقد وصفت هذه المقدمة بأنها جدلية، من حيث اتهم فيها الكاتب مدارس النقد الماركسية، والفرويدية، واليونغية، والكلاسيكية الجديدة بأنها تجسيد للمغالطة الحتمية.
وإن كان فراي لا يعارض هذه الأيديولوجيات على وجه الخصوص، لكنه يرى أن تطبيق أيّة إيديولوجية خارجية جاهزة على الأدب هو خروج عن النقد الحقيقي.
طالَب فراي بنقد أدبي يستمد منهجه من جسم الأدب نفسه، والمفارقة أنه اعترف هو نفسه في المقدّمة بضعف حجته، ولكنها مغامرة قرّر أن يفكّر فيها علانية رغم كثرة الحجج ضدّها.
أما المقالات الأربعة التي تضمنها الكتاب، فتحمل عناوين "النقد التاريخي: نظرية الأنماط" و"النقد الأخلاقي: نظرية الرموز" و"النقد البدائي: نظرية الأساطير" و"النقد البلاغي: نظرية الأنواع".
يعدّ فراي واحدًا من أكثر المؤلّفين تأثيراً في القرن العشرين، وقد اكتسب صيته من كتابه الأول، وكان بعنوان "التماثل المخيف" (1947)، وكان قوام هذا الكتاب إعادة تفسير شعر ويليام بليك، ولكنه حين أصدر "تشريح النقد"، الكتاب الذي يعتبره النقاد والأكاديميون اليوم أحد أهم أعمال النظرية الأدبية المنشورة في القرن العشرين، علّق الناقد الأميركي هارولد بلوم في وقت نشره على أن الكتاب جعل فراي "الطالب الأكثر تفوّقاً بالنسبة إلى الأدب الغربي الحي".
كانت نظرية فراي التي بدأها في "التماثل المخيف" وطوّرها في "تشريح النقد، أن يكون هناك نظرة شاملة لنطاق النقد النظري والمبادئ والتقنيات الأدبية، متسائلاً "ماذا إذا كان النقد علمًا وفنًا؟"، وهكذا بدأ فراي المسعى الذي شغل بقية حياته المهنية - وهو تأسيس النقد على أنه "مجال دراسي متماسك يمارس الأدب بشكل منهجي وفعال كما تمارس العلوم التجربة.
أصدر فراي في هذا السياق عدّة مؤلّفات حاز عنها التكريمات والجوائز التقديرية، ومن بينها "الناقد حسن المزاج"، و"منظور طبيعي: تطوير الكوميديا والرومانسية شكسبير"، و"عودة عدن: خمس مقالات عن ملحمات ميلتون"، و"كذبة الزمن: دراسات في مأساة شكسبير"، و"القرن الحديث"، و"الهيكل العنيد: مقالات عن النقد والمجتمع"، و"المسار النقدي: مقال عن السياق الاجتماعي للنقد الأدبي"، و"الكتاب المقدس العلماني: دراسة في بنية الرومانسية".