تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. هنا وقفة مع الباحث الأردني زهير توفيق.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- يشغلني انسداد الأفق؛ اجتماعياً وسياسياً، فلا يوجد أمل، والثورات العربية التي انطلقت للتغيير تم الالتفاف عليها، وأُغرقت بالدم والفوضى والتدخّل الخارجي، وتفتقر للفلسفة والرؤية والقادة (مفكرين وسياسيين)، والأزمة الاقتصادية المعيشية مستفحلة، والدور الحضاري العربي في العالم المعاصر في خبر كان، والنخب وخاصة الأكاديمية مشغولة بذاتها، والعلوم الإنسانية في تدهور مستمر، والشيء الإيجابي في الأزمة هو الاستجابة الإبداعية من المفكرين والكتّاب العرب الذين نهضوا لاستقراء الواقع وأبعاد أزمته، وأنتجوا مقاربات فلسفية وإبداعية في غاية الأهمية.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر أعمالي كان كتاب "النقد الفلسفي.. من الإصلاح إلى التغيير ومن النقد إلى التقويض" (2016)، في عمّان، وأفكّر بطبعة جديدة في بيروت أو القاهرة ليأخذ مكانته في التوزيع، وكان الكتاب قراءة لدور الفلسفة النقدي والهدام لكل البنى الفاسدة التي استنفدت دورها ومشروعية وجودها واستمرارها في الواقع العربي، إضافة إلى تشريح مفهوم الإصلاح الذي تجاوزه الواقع ولم يعد الواقع العربي يحتمل تضليلاً بالإصلاح الذي لا يعمل إلا على إعادة تشحيم مفاصل البنى المهترئة، وإعادة إنتاج النظام القائم، وهذا ما يطلق عليه النقد البناء الذي لا يمس الجذور والأسس ولا يقوم إلا بعمليات موضعية للنسق، خاصة السياسي الذي استغرق كل الأنساق واختطف دورها في التغيير والتثوير، وخاصة النسق الثقافي، والذي أفقد المفكر السلطة الاعتبارية، وقلّل من رأس المال الرمزي للكيان، فما يحتاجه الوطن العربي ثورة شاملة، ولا توجد أمة من حيث المبدأ إلا ونهضت بثورتها المظفرة؛ الأميركية والروسية والفرنسية وغيرها.
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- كلّ نتاج فكري هو نتاج تاريخي أو سياقي محكوم بالأدوات المنهجية والمعطيات المتوفرة في زمن الكاتب، وغالباً ما تكون المقاربات ناقصة توفر للنقد المضاد - لاحقاً - فرصة ثمينة للرد والتوضيح، وهذا هو مكر التاريخ وفضيلة النقص، وليس جدارة بالنقد. وهذا المأخذ قائم بغض النظر عن الفكرة الجوهرية الثابتة أو نواة المشروع الفكري الذي يتحرّك فيه الكاتب، وعلى مستوى أعمالي هناك رضا عن الفكرة العامة والفرضيات التي تشغلني وعدم رضا عن الكثير من النتائج.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- هذا سؤال محيّر وملغوم، وفي لغة أخرى ماكر، لما يترتب على جوابه إن كان بالسلب من استحقاق من أسئلة من نوع آخر مثل: وما الذي منعك من هذا الخيار أو النهج الذي تتمناه؟ ولكن باختصار ونظراً إلى غياب الحرية بالمعنى الميتافزيقي وحق الاختيار في حياتنا العربية وطبيعة أسرنا وبنى المجتمع التقليدية التي نتحرّك فيها، لا يسعنا إلا أن نختار ما اخترناه، فمستوى الإكراهات عالٍ ومسيطر، والحكمة بأثر رجعي ليست سوى نوستالجيا لا داعي لها.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- التغيير الذي أريده أو أطمح إليه والذي أفكر فيه هو التغيير المنشود منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي تحقيق المشروع الحضاري أو النهضوي العربي ممثلاً بالحرية والتحرير (فلسطين)، والاستقلال التاريخي للذات العربية والتقدم والتنوير والكرامة الوطنية، وهي القيم الشاملة والكونية التي يجمع عليها العرب وتشتق منها القيم الفرعية والخاصة بهذا البلد أو ذاك.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- لا أدري ما المقصود بالماضي، هل هو القريب، أم الماضي التراثي، وهل تتعلّق تلك الشخصية بالعرب أم بالتراث الفكري العالمي؟ في جميع الأحوال، لا يوجد كاتب أو مفكر أو مبدع إلا ويختزن العديد من الشخصيات التي تتراءى فيه، والتي صاغت وجدانه وطرائق تفكيره وتقف خلفه وتمارس طغيانها المحبّب فيه. أما أنا فوجداني يتسع لفرانز فانون العظيم والأثير عندي مع آخرين، وخاصة سارتر وعبد الناصر وإدوارد سعيد.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- ينطبق هذا الإحساس أو التوجه على مرحلة معينة أسميها مرحلة الأدلجة التي تتطلب من الفرد المريد بلغة الصوفية العودة الدائمة لشيخه أو كتابه كونه المرجع ومنور الطريق، لكن مع التحرر من الأدلجة والسلطات المرجعية المرافقة لها وضغط العمل والانشغالات الفكرية اختلفت الأمور، ومع ذلك بقي "استشراق" إدوارد سعيد دائم الحضور، وأشعر بقرابة روحية معه بعد قراءتي لكتابه "خارج المكان"، ولكن للأسف لم ألتقه شخصياً.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- الآن، أنا منهمك بقراءة كلاسيكيات الفكر العربي في عصر النهضة العربية للتحضير لكتابي القادم الذي أفكر به عن النهضة العربية، إضافة إلى متابعة ما يصدر من جديد الفكر والفلسفة والإبداع الأدبي، وبين يدي الآن كتاب بيري ساندرز "اختفاء الكائن البشري.. أرواح غافلة" (2017)، بترجمة سهيل نجم.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- غالباً ما تتوقف تجاربنا مع الغناء والموسيقى عند الكلاسيكيات العربية والأجنبية، لكن أحبّ ما أكتشفه من حديث وأصيل، ومنه أغاني الفنانة الأردنية مكادي نحاس؛ هذا الصوت الفيروزي بامتياز، واللبنانية هبة طوجي؛ هذا الصوت السيمفوني العارم.
بطاقة: باحث وأكاديمي أردني من مواليد القدس المحتلة عام 1957، يعمل حالياً مدرّساً في "جامعة فيلادلفيا" في الأردن. صدر له من الكتب: "أديب إسحق: مثقف نهضوي مختلف" (2003)، و"خطاب العلم والتقدم" (2006)، و"المثقف والثقافة" (2013)، و"إشكالية التراث في الفكر العربي المعاصر" (2015)، و"النقد الفلسفي" (2016). وله كتاب سرديّ أيضاً بعنوان "أضواء ليلى في بحار السندباد" صدر عام 2004.