لم يتأخّر فن الفوتوغرافيا بالالتفات إلى عالَم الصناعة والعمّال، حيث تعود أولى الصور التي توثّق مشاهد من العمل إلى عام 1845، إذ قام شابّان باستخدام كاميرا من نوع داغير (أو داغيروتيب، نسبة إلى مكتشفها، الفرنسي لويس داغير)، وهي من أوّل أنواع الكاميرات، لتصوير المعمل الذي كانا يشتغلان فيه ببلدة دُكازفيل جنوب ـ وسط فرنسا.
على أنّ تحوّل صوَر العمل، والآلات، وكدّ العمّال، لن تتحوّل إلى ظاهرة واسعة الانتشار في عالَم الفوتوغرافيا لن يحدث إلّا بدءاً من العقد الثاني والثالث من القرن الماضي، مع التفات مصوّرين مثل الأميركي ليويس هاين (1874 ــ 1940) لتوثيق معاناة الأطفال الذين يجري استغلالهم في المعامل، أو الألماني أوغست ساندر (1876 ــ 1964) الذي اهتمّ بتأثير التقنيات الجديدة على ظروف العمل وعلى المجتمع بشكل عام.
"أبحدية بصرية للصناعة، للعمل والتكنولوجيا" عنوانُ معرضٍ ضخم تقيمه "مؤسّسة ماست" في بولونيا بإيطاليا منذ العاشر من شباط/ فبراير الماضي، ويستمرّ حتى الثامن والعشرين من آب/ أغسطس المقبل، ضامّاً أكثر من 500 صورة من ممتلكات المؤسّسة.
تغطّي صوَر المعرض مجمل المراحل التي مرّ بها تاريخ العمل خلال القرنين الماضيين، حيث يُخصِّص المنظّمون صالةً توثّق، في الوقت نفسه، لتحوّلات العمل تحت وقْع الآلات والاكتشافات العِلمية الجديدة في القرن التاسع عشر، وكذلك لتاريخ التصوير الفوتوغرافي، الذي كانت ولادتُه كان معاصرةً لهذا التحوّل.
ويُظهر المعرض متابعة الفوتوغرافيا عن قُرب للتغيُّرات في أساليب العمل وإدارته، حيث تصوّر أعمال للأميركي مان راي لجوء المعامل بشكل متزايد إلى الكهرباء، فيما توثّق مواطنته دوروثيه لانغ تأثير ما عُرف بالكَساد الكبير (انهيار اقتصادي بدأ في ثلاثينيات القرن الماضي بالولايات المتّحدة) على حياة العاملين والعاملات وعائلاتهم، ولا سيّما من المهاجرين. كما يغطّي المعرض عدداً من أحدت تطوّرات العمل، كما في صور للفرنسي فانسون فورنييه يوثّق فيها روبوتات تقوم بمهام عمل في طوكيو، باليابان.
ونظَراً لضخامة العدد الذي يقترحه من الصور، فقد قرّر المنظّمون توزيع الأعمال على 53 قسمٍ صغير جرى ترتيبه بشكلٍ أبجدي (من الـ A إلى الـ Z) داخل ثلاث صالات، وهو ما يتيح للزوّار الاطّلاع على مجموعات الصور التي تتناول ثيمات تشمل الآلات، والماء، والصحّة، والتبذير، وغيرها، ما يجعل من المعرض أشبه بقاموسٍ بصريّ لتاريخ العمل.